بقلم/ د. علي خليفة
كانت مسرحية أهل الكهف أول مسرحية ينشرها توفيق الحكيم، وذلك رغم أنها لم لم تكن أول مسرحية يكتبها، فقد كتب قبلها مسرحيات عديدة، ومثلت بعضها في فرقة عكاشة في عشرينيات القرن الماضي.
وقد احتفى كثيرٌ من النقاد المصريين بتأليف توفيق الحكيم مسرحية أهل الكهف، وعلى رأسهم الدكتور طه حسين الذي رأى أن هذه المسرحية فتحٌ كبيرٌ في التأليف المسرحي العربي، ورآها تضاهي بعض المسرحيات الغربية الجيدة لولا بعض العيوب القليلة فيها.
وتعد مسرحية أهل الكهف من مسرحيات المسرح الذهني عند توفيق الحكيم، ويكون فيها للحوار متعة كبيرة؛ لما يحمله من أفكار ذهنية تحتاج إلى التأمل العميق.
والصراع في هذه المسرحية بين الإنسان والزمن، ويرى توفيق الحكيم فيها أن الإنسان لا يستطيع أن يقاوم الزمن، وأن الزمن لا بد سيقهره، وقد كان حال الأشخاص الثلاثة الذين ناموا في الكهف ثلاثمائة عام أنهم لم يستطيعوا بعد بعثهم للحياة أن يتكيفوا مع زمان غريب عنهم، ومع أشخاص لا تربطهم بهم أي صلة، فارتدوا لكهفهم مرة أخرى، وماتوا فيه.
كما نرى في هذه المسرحية صراعًا آخر ذهنيًا، وهو الصراع بين الحقيقة والواقع، فالواقع في أحداث هذه المسرحية أن مشلينيا قد أحب بريسكا حفيدة بريسكا حبيبته القديمة، وأحبته هي أيضًا، والحقيقة أن بريسكا الحفيدة يفصلها عن مشلينيا ثلاثمائة عام، وحاول مشلينيا أن يقهر هذه الحقيقة، ولكنه لم يستطع، واستسلم في النهاية لسطوة هذه الحقيقة، وارتد للكهف؛ ليموت بجوار صاحبيه مرنوش ويمليخا.
أما عن قصة أهل الكهف التي كتبها توفيق الحكيم للأطفال، فإن أول ما ألاحظه عليها أن أسلوب عرضها يوحي بأن توفيق الحكيم قد حكاها للأطفال مشافهة، فأجواء الحكي والمشافهة مسيطران عليها، خاصة في بدايتها التي يقول فيها توفيق الحكيم: “يا أطفالي الصغار، أحب أن أحكي لكم حكاية عجيبة، أرجو أن تعجبكم، كما أعجبتني، فاستمعوا لها إنها من زمان قديم جدًا….”.
وطريقة السرد الشفهي في هذه القصة من توفيق الحكيم أضفى عليها نوعًا من التفاعل الواضح بين الراوي، وهو توفيق الحكيم وبين المروي عليهم، وهم الأطفال.
وقد قام توفيق الحكيم في هذه القصة بتلخيص أحداث مسرحية أهل الكهف مراعيًا الحفاظ على الخطوط الرئيسة فيها، ومستبعدًا الحوارات الذهنية التي في مسرحية أهل الكهف؛ لأنها لا تناسب الأطفال الذين توجه إليهم بهذه القصة، وهم أطفال مرحلة الطفولة المتأخرة.
وقد خالف توفيق الحكيم في هذه القصة بعض الأحداث في مسرحية أهل الكهف، ففي مسرحية أهل الكهف يعرف الوزيران مشلينيا ومرنوش بأن الملك دقيانوس عرف بأمر إيمانهما بالمسيحية، ويهربان قبل أن يقبض عليهما ويعذبهما، في حين أننا نرى في هذه القصة أن الملك دقيانوس يقبض على مشلينيا ومرنوش بعد علمه بإيمانهما بالمسيحية، ويستطيعان الفرار منه قبل أن يأمر بتعذيبهما.
وكذلك من الاختلافات بين المسرحية والقصة أننا نرى في مسرحية أهل الكهف أن الراعي يمليخا ولد مؤمنا بالمسيحية، في حين أننا نراه في هذه القصة قد أسلم حين التقى بالوزيرين مشلينيا ومرنوش، ورافقهما لكهف الرقيم.
وأيضًا نرى من ضمن الاختلافات بين مسرحية أهل الكهف وقصة الحكيم عن أهل الكهف للأطفال أن قصة الفتي أوراشيما الذي غاب عن بلده أربعمائة عام في جزيرة ملك البحر، وعاد بعد ذلك لبلده تذكر في مسرحية أهل الكهف خلال أحداثها، ولكن توفيق الحكيم يذكر هذه القصة في ختام قصة أهل الكهف للأطفال، وصرنا بهذا نرى في كتاب قصة أهل الكهف للأطفال قصتين، قصة أهل الكهف، وقصة الفتى أوراشيما.
وقد مزج توفيق الحكيم في قصة أهل الكهف التي وجهها للأطفال بين السرد والحوار؛ وبدت الأحداث مثيرة في هذه القصة، واستبعد منها الحوارات الذهنية والفكرية التي يستعصي على الأطفال فهمها، والتواصل معها، كما استبعد منها المواقف التي قد تصدم الأطفال، ومن ذلك أننا نرى مرنوش في مسرحية أهل الكهف يموت كافرًا.
والحقيقة أنه لا توجد مبررات في مسرحية أهل الكهف لسلوك مرنوش ذلك، لا سيما أنه قد ذكر في هذه المسرحية أنه وُلد مسيحيًا مؤمنًا، كما أن الله سبحانه وتعالى قد وصف أهل الكهف في القرآن الكريم بأنهم فتيةٌ آمنوا بربهم وزدناهم هدى؛ ولهذا فقد أحسن توفيق الحكيم حين استبعد هذه الجزئية عن كفر مرنوش في قصته عن أهل الكهف للأطفال.



