بقلم: يوسف كمال
فتاة من ريف مصر
لم يدم حزن أم كلثوم على وفاة الشيخ أبو العلا طويلاً، تخلصت من حزنها وأعملت عقلها وأدركت أن لها هدفا لابد من تحقيقه، بصرف النظر عن المعوقات التى سوف تواجهها.
وبذكاء أم كلثوم أدركت أن الغناء فى القاهرة يختلف عن الغناء فى الأقاليم، فجمهور القاهرة يختلف عن جمهور الأقاليم، وأدركت أنها لابد أن تنوع من ألوان الغناء الذي تقدمه، كانت قد تعرفت على الشاعر أحمد رامى وانطلقا سوياً فى رحلة طويلة من الإبداع، وسطرا سوياً تاريخهما الناصع.
تعاونت أم كلثوم فى البداية مع الملحن صبرى النجريدى إلا أنها قررت عدم الاعتماد على ملحن واحد، فتعاونت مع الموسيقار محمد القصبجى، والشيخ زكريا أحمد، وكونوا فريق عمل سطروا به جميعاً تاريخاً عظيما،ً وبدأت اسطوانات أم كلثوم تنتشر بشدة بين جمهورها.
مع إنشاء ستديو مصر على يد الاقتصادي الكبير طلعت حرب، بدأت أم كلثوم فى خوض تجربة التمثيل السينمائى وقدمت عدة أفلام ناجحة منها سلامة، ودنانير، وبدأ ظهور نجم جديد فى عالم التلحين هو الموسيقار رياض السنباطى والذى يعتبر من أشهر الملحنين الذين تعاونوا مع أم كلثوم وأكثرهم تراثاً حتى أن أغلب القصائد التى تغنت بها أم كلثوم كانت من ألحانه.
أيقنت أم كلثوم أن الحياة الفنية لا تسير على وتيرة واحدة وأن التغيير والتطوير هما سنة الحياة ولابد من الاعتماد على جيل آخر من الشباب فتعاونت مع الملحنين الشباب آنذاك بليغ حمدى وكمال الطويل ومحمد الموجى ومن الشعراء عبدالوهاب محمد ومرسى جميل عزيز.
كان لقاءها مع محمد عبد الوهاب هو النقطة الأهم فى حياة أم كلثوم وكما قيل فى الصحف آنذاك أن لقاء أم كلثوم وعبد الوهاب هو لقاء السحاب وقدما سوياً مجموعة رائعة من الأغنيات الخالدة.
كانت أم كلثوم تنتمى إلى مصر ولم تنسى أن لها دور وطنى وأن الفن عموماً له دور بارز فى الحركة الوطنية فقدمت مجموعة كبيرة من الأغنيات الوطنية منها ثوار، وطوف وشوف، ومصر تتحدث عن نفسها وغيرها كثير، وعقب 1967 كانت تقوم بإحياء حفلات غنائية سواء فى مصر أو الخارج وتتبرع بدخل هذه الحفلات لصالح المجهود الحربى ومساهمة منها فى بناء الجيش المصرى.
كانت الوحدة العربية هى أمل الشعوب العربية لذلك قررت أم كلثوم تقديم مجموعة من الأغنيات لشعراء عرب لتدعيم فكرة الوحدة العربية فقدمت للشاعر السورى نزار قبانى “أصبح عندى الآن بندقية” وللشاعر السودانى الهادى آدم أغنية “أغداً ألقاك” وللشاعر اللبنانى جورج جرداق “هذه ليلتى” فكانت هى النجم الأوحد فى العالم العربى.
وبطبيعة الحال تقدم السن بأم كلثوم وتمكن منها المرض وإنتقلت إلى جوار ربها ولكنها تركت تراثاً عظيماً من الإبداعات وقدمت مثالاً يحتذى به لكفاح المرأة بشكل عام ومثالاً للفنان والفن ودوره فى الحياة الوطنية والحياة الثقافية فهى الفتاة الصغيرة التى خرجت من ريف مصر ومن إحدى القرى الصغيرة وإستطاعت أن تعتلى عرش الغناء وتكون رمزاً من الرموز المصرية الخالدة.
بابا يوسف