بنية المفارقة في مسرحية الغابة العجيبة لمجدي الحمزاوي

أغسطس 27, 2025

بقلم/ د. على خليفة

لا شك أن عنوان هذه المسرحية مثير جدًا، وهو يهيئ المتلقين لها للتعرف على غابة فيها أمور كثيرة عجيبة وتدعو للدهشة، وتحدث الأستاذة سعاد المدرسة في إحدى المدارس تلاميذها الصغار عن هذه الغابة العجيبة، فيشتاقون لرؤيتها ودخولها، فتعرفهم أن الذهاب إليها ودخولها يستلزم الامتثال بالأخلاق الطيبة، والاجتهاد في المذاكرة، فيعاهدها تلاميذها على أن يستمروا على أخلاقهم الطيبة، وأن يقوموا من أنفسهم كثيرًا، وأن يجتهدوا في مذاكرتهم بشكل أكبر؛ ليحظوا بالذهاب للغابة العجيبة والدخول فيها؛ لمشاهدة كل الأمور العجيبة التي تحدث فيها.

وقد توقعت بعد هذا المدخل في هذه المسرحية أننا سنكون في أجواء فنتازية، ونشاهد غابة فيها أطرف الحيوانات وأغربها، وتوقعت أيضًا أن يكون الذهاب لهذه الغابة ضمن رحلة لإحدى الغابات الغريبة في قلب إفريقيا، أو أن تكون هذه الرحلة في كوكب آخر، ولكنني فوجئت أن هذه الغابة العجيبة لا وجود لها إلا في كتاب عن الحكايات والحواديت، وأن هذه المدرسة ستدخل الأطفال في عالم هذا الكتاب، وعند ذلك سيعيشون في أجواء الحكاية التي به عن تلك الغابة العجيبة، وبهذا فإن هذه الغابة العجيبة لن يذهب إليها هؤلاء الأطفال مع مدرستهم في الحقيقة، ولكنهم سيتخيلون أنهم دخلوها من خلال ما ستحكيه لهم مدرستهم عنها.

وأعتقد أن المؤلف لم يوفق في هذا المدخل لتصور الغابة العجيبة، وما يجري فيها من أمور غريبة، فلا شك أن المتلقي الصغير قد هيأ نفسه – من عنوان هذه المسرحية- لمغامرة يقوم بها هؤلاء الأطفال في غابة فنتازية عجيبة، ولكنه يفاجأ بأن الأمر لا يعدو مجرد حكي المدرسةعن هذه الغابة، وتخيل الأطفال أنهم دخلوا معها هذه الغابة، وهم يتأملون معها كتابًا عن الحكايات والحواديت.

والأغرب من هذا أن هؤلاء الأطفال لا يكون لهم أي دور مهم في هذه الغابة، بل إنهم يكتفون بسماع ما تحكيه قطة تعيش في هذه الغابة، ويرون تجسيد أحداث أخرى عن حال هذه الغابة.

والأغرب من كل هذا أن تنتهي أحداث هذه المسرحية، ويقول هؤلاء الأطفال لمعلمتهم: إنهم بعد كل الذي شاهدوه، وبعد الذي رأوه من تجسيد بعض الأحداث لحكاية تلك القطة – واسمها بوسي – لم يروا الغابة العجيبة، فتخبرهم معلمتهم أنهم سيشاهدونها في زيارة أخرى قادمة لهذه الغابة، ومن الواضح إذن أن هؤلاء الأطفال لم يتجولوا – ولو حتى بخيالهم – في أرجاء هذه الغابة العجيبة، ولكنهم اكتفوا بمشاهدة القطة بوسي فيها، وما حكته لهم من حكاية غريبة عن خضوع الأسود للثعالب في هذه الغابة.

٢

وتحكي القطة بوسي للمعلمة والأطفال عن التطورات التي حدثت في الغابة العجيبة، وأدت لخضوع الأسود فيها للثعالب، فتعرفهم أن ثعلبًا ماكرًا اسمه ماكر استطاع أن يوسوس للأسد القوي سبعان؛ فأوحى إليه أنه كأسد عظيم يستحق أن يكون ملكًا على هذه الغابة كلها، وأن تخضع له كل الأسود فيها، ولا يقوم هو – كما يفعل كل يوم – بالصيد له ولأسرته، بل على الأسود الأخرى في الغابة أن تقوم بالصيد الوفير له، حتى لو كان هو وأسرته لن يأكلوه كله؛ لأن دواعي العظمة له تقتضي ذلك.

وتغضب الأسود الأربعة ذات الشأن في الغابة حين يصر سبعان على استمرار خضوع هذه الأسود له، وإحضارها الطعام له كل يوم بوفرة حتى بعد أن قلت الحيوانات التي يمكن صيدها فيها، وحتى بعد انتشار الجفاف بها.

ويتمرد ثلاثة أسود من هذه الأسود الأربعة على الأسد سبعان، أما الأسد الرابع سدرون، فكان أشد تعقلًا من هذه الأسود، ورفض التمرد على الأسد سبعان والدخول في حرب معه، واكتفى بأن يطلب إلى الأسد سبعان أن يعيد الأمور لما كانت عليه من قبل؛ أي يرجع أسدًا عاديًا، ولا يكون بينهم أسد متحكم في الغابة كلها، ولا يرضى الأسود الثلاثة المتمردون على الأسد سبعان بهذا الرأي، وكذلك لا يوافق عليه الأسد سبعان.

وقبل أن تنشب الحرب بين سبعان وهذه الأسود الثلاثة يتمكن الثعلب مكار من إغراء أسد من هذه الأسود الثلاثة المتمردة على الأسد سبعان بأن يكون مع سبعان في مقابل أن يكون وزيرا له، ويوافقه ذلك الأسد على ذلك.

وكان هدف الثعلب المكار من ذلك أن تكون الحرب متكافئة بين سبعان وحلفائه من ناحية والأسدين الآخرين المتمردين عليه وحلفائهم من ناحية أخرى؛ وذلك حتى يطول أمد هذه الحرب، وينهك الجميع فيها، وهذا ما حدث بالفعل.

أما الثعلب المكار فكان خلال هذه الحرب يدعو الحيوانات آكلة العشب أن تحتمي بأرض الثعالب؛ لأن فيها النجاة لها، وصدقت هذه الحيوانات كلام الثعلب المكار، واجتمعت في أرض الثعالب، واكتشفت بعد ذلك أنها صارتْ صيدًا سهلًا لها.

كما أرسل الثعلب المكار رسله من الثعالب للغابات الأخرى؛ لكي يغروا الثعالب التي بها للمجيء لهذه الغابة التي ستصبح مملكة كبيرة للثعالب، وينفذ هؤلاء الرسل ما طلبه إليهم الثعلب المكار.

ويحاول الأسد سدرون خلال هذه المعركة بين الأسود وحلفائهم من الحيوانات المفترسة أن ينبههم لما يفعله الثعالب من الاعتداء على مساحات كبيرة في الغابة لتكون لهم، ولكنهم لا يعبئون بكلامه، ويستمرون في قتالهم لبعضهم العض.

وتنتهي المسرحية بهذه المفارقة الكبيرة، فقد صار للثعالب نفوذ كبير في هذه الغابة وأصبح لهم مساحات واسعة بها، وقد تخلى الأسود عن هذه المساحات في مقابل أن يقدم لهم الثعالب بعض الطعام الذي عندهم لهم، وهكذا صار الأسود بلا هيبة أمام الثعالب في هذه الغابة، وقويت شوكة الثعالب على الجميع في هذه الغابة.

ويسأل الأطفال معلمتهم في نهاية هذه المسرحية سؤالًا مهمًا، وهو هل سيظل الثعالب بهذه القوة والهيبة في هذه الغابة ويزداد توسعهم في أراضيها، أو سيتغير الأمر عن ذلك؟ وتجيبهم معلمتهم بأن هذا الوضع سيتغير لصالح الأسود ضد الثعالب في حالة اتحاد الأسود فيها.

ولا يخفى على أي أحد الإسقاط السياسي الذي هدف له المؤلف من خلال هذه الحكاية التي تم رواية أجزاء منها على لسان القطة بوسي، وتم تجسيد أجزاء أخرى منها.

٣

ولا تكتفي المعلمة بسماع هذه الحكاية ومشاهدة أجزاء منها من القطة بوسي، بل إنها توقف حركة السرد والتجسيد في مواقف منها؛ لتسأل الأطفال عن رأيهم فيما سمعوه وشاهدوه؟ وبهذا نرى الجانب التعلمي في هذه المسرحية، لا سيما من خلال إجابات الأطفال على أسئلة معلمتهم عن هذه الحكاية التي حدثت في الغابة العجيبة.

ومن الجوانب التعليمية الأخرى في هذه المسرحية ذكر المعلمة والقطة بوسي لأحداث حدثت من قبل على المسرح، من خلال تلخيصها، وبهذا نكون أقرب لفصل مدرسي تعاد الدروس فيه وتكرر للفهم والحفظ،  وأبعد ما نكون عن مسرحية من أهم ما ترتكز عليه التكثيف والتركيز.

 

 

٤

ولا نرى في هذه المسرحية – التي عنوانها الغابة العجيبة – إلا مواقف قليلة بها مسوح كوميدية خفيفة، وأغلبها كان من خلال تكرار الأسد سبعان والثعلب المكار لأهمية أن يجعل الأسد سبعان الأيام القادمة للأسود المتمردة عليه سوداء جدًا جدًا.

 

وقد كان حريًا بالمؤلف أن يوسع المجال في هذه المسرحية للكوميديا بشكل أكبر، لا سيما أن بها ثعالب كثيرة خبيثة، وكان من المكمن أن تقوم بتصرفات مضحكة.