
1 كتب الشاعر والكاتب الكبير الأستاذ أحمد فضل شبلول خمس مسرحيات شعرية، ونشرها في كتاب، وذكر ضمن عنوان هذا الكتاب أنها موجهة للناشئة، وغالبًا ما يُقصد بالناشئة في الأدب الموجه لهم أطفال مرحلة الطفولة المتأخرة، وهم حسب توصيف بعض التربويين من سن ١٠ إلى ١٥ سنة، وبعض التربويين يرون أن مرحلة الطفولة المتأخرة تصل إلى سن ١٨ سنة.
وحقيقة الأمر أن هناك مسرحية واحدة في هذا الكتاب تناسب مرحلة الطفولة المتأخرة – أو الناشئة – وهي مسرحية ولي العهد للأحداث التي بها، وللأفكار الاجتماعية والسياسية التي تدعو لها، أما باقي مسرحيات هذا الكتاب فإنها مناسبة جدًا لأطفال مرحلتي الطفولة المبكرة والمتوسطة؛ للأحداث البسيطة التي بها، ولأجواء الخيال فيها، ولوجود الحيوانات والكائنات الخيالية الخارقة بها، كما أن هذه المسرحيات الأربع في هذا الكتاب فيها رسائل أخلاقية وتربوية عديدة، سأتحدث عنها بقدر من التفصيل في هذا المقال.
٢ والجانب التعليمي بارز جدًا في هذه المسرحيات الشعرية التي كتبها المؤلف للأطفال، فالمؤلف فيها حريص على أن يبث كثيرًا من القيم الأخلاقية بها؛ حتى ينتبه الأطفال الذين يتلقون هذه المسرحيات لها، سواء أكان هذا التلقي بقراءتها أم بمشاهدتها معروضة على خشبة المسرح.
ونرى أثر هذا التوجه التعليمي في بعض هذه المسرحيات في الشكل الذي كتبت به، كاتباع أسلوب الراوي الذي يسرد بعض المواقف من المسرحية، ويعلق على بعض الأحداث – التي يتم تجسيدها فيها – وبعض تصرفات بعض الشخصيات بها؛ لأخذ العبرة من وراء ذلك كما نرى هذا في مسرحية الطاووس الحزين. ونرى شكلًا آخر تعليميًا في مسرحية ولي العهد، من خلال عرض وجهتي نظر في هذه المسرحية، وترك الرأي للجمهور سواء أكان هذا الجمهور فوق خشبة المسرح أم في صالة المسرح من المشاهدين لهذه المسرحية. وشبيه بما فعله المؤلف هنا ما نراه في بعض مسرحيات برتولت بريشت التعليمية التي يعرض في كل واحدة منها وجهتي نظر، ويترك للمتلقي مساحة للتفكير لاختيار وجهة نظر منها، وغالبًا ما يشير بريشت في هذه المسرحيات لوجهات النظر التي يميل إليها، ويستحث الجمهور لتبنيها، كما نرى ذلك في مسرحية القائل نعم والقائل لا، ومسرحية القاعدة والاستثناء.
وفي مسرحية ولي العهد يقدم المؤلف تصورا لأسلوبين في الحكم وتولي المناصب الكبيرة، وأحدهما يقوم على الانفراد بالرأي وتجاهل المحيطين به ممن هو مسئول عنهم، والتصور الثاني يقوم على التحام المسئول بكل من حوله في عمله، وأن تكون قراراته بناءً على استشاراته الدائمة لهم، ولا شك أن المؤلف – من خلال أحداث المسرحية – يميل للتصور الثاني، ولكنه رغم ذلك يترك للمتلقي مساحة لاختيار التصور الذي يراه الأنسب من بينهما.
٣ وعلى الرغم من أن المسرحيات الخمس التي كتبها أحمد فضل شبلول للأطفال تعتمد على التاريخ والأساطير والحكاية على لسان الحيوان فإننا نرى فيها إسقاطًا كبيرًا على الواقع في العصر الحديث من خلال ذكره للقضايا التي ننشغل بها في عصرنا في بعض هذه المسرحيات، كقضية نقص المياه وموارد الطاقة، وقضية البيئة والحفاظ عليها من التلوث، ونرى أثرًا لعرض هذه القضايا بشكل سريع في مسرحية ولي العهد.
وكذلك نرى في مسرحية الفرقاء – التي تدور أحداثها بين الطيور والحيوانات – إسقاطًا على قضية مهمة تخص بعض الأطفال وأسرهم في عصرنا، وهي إهمال بعض الأُسر الثرية تربية أبنائها الصغار، وتركهم للمربيات الأجنبيات، فينشأ هؤلاء الأطفال على عادات هؤلاء المربيات التي تخالف عاداتنا وتقاليدنا، ومثل ذلك فعله الوقواق وزوجته الوقواقة في مسرحية الفرقاء حين وافقا على أن يقوم الغراب بتربية صغارهم، واهتما هما بأمورهما الأخرى، فنشأ صغارهما كسالى؛ لاعتمادهما على الغراب في كل شيء، كما أن هؤلاء الصغار من الوقاويق قد خالفا عادات الوقاويق وسلوكياتهم، وتطبعوا بطباع الغربان الغريبة على الوقاويق
٤ أما القيم الأخلاقية التي بثها المؤلف في هذه المسرحية فإنها كثيرة، وغالبًا ما تُستَشف من مواقف هذه المسرحيات، وقلما نرى توجيهًا مباشرًا إليها، وهذا مما يُحسَبُ للمؤلف في هذه المسرحيات. ومن أهم القيم الأخلاقية التي دعا إليها المؤلف في هذه المسرحيات قيمة التواضع وعدم الغرور والتكبر، وقد تعرض لهذه القيمة الأخلاقية في مسرحية الطاووس الحزين، فالطاووس الحزين في هذه المسرحية كان شديد التباهي بنفسه لجمال شكله، وكان من شدة كبره يتجاهل الرد على بعض الطيور والحيوانات، كما أنه كان يتستكثر على بعض الطيور والحيوانات وجود بعض المزايا التي فيها ولا توجد لديه، وهكذا صور أحمد شوقي طاووسًا مغرورًا في إحدى حكاياته الشعرية للأطفال.
وبسبب ذلك السلوك السيئ من هذا الطاووس فإن القرد الذهبي حقد عليه واغتاظ منه، وأوهمه أن الأسد غاضب عليه، فصدقه، وعانى بسبب ذلك، حتى اكتشف خداع ذلك القرد الذهبي له. ونلاحظ أن بعض الأحداث في مسرحية الطاووس المغرور تحذر من سلوك الغيرة؛ لأنه يجعل صاحبه لا ينظر للنعم التي يمتلكها، ويكون مشغولًا طوال الوقت بحسد الآخرين على النعم التي لديهم، كحال القرد الذهبي في غيرته من الطاووس في هذه المسرحية.
ومن القيم الأخلاقية الأخرى التي نرى لها آثارًا في بعض هذه المسرحيات قيمة مراعاة الآخرين، وعدم الميل للأنانية، ونرى أثر هذه القيمة الأخلاقية في مسرحية ريش العصفور، فالطفلة الصغيرة فيها كانت أنانية ولم تراع إلا رغبتها ومتعتها الشخصية، فقصت ريش العصفور – الذي اعتاد أن يقف عند نافذتها – حتى لا يستطيع الطيران، ويكون بقربها طوال الوقت، ولكنها حلمت حُلمًا مُفزعًا عرفت منه خطأ تصرفها في أنانيتها. وكذلك نرى في مسرحية ريش العصفور دعوة لقيمة أخلاقية أخرى هي ترك العناد على الرأي الذي يعتقد بعض الصغار أنهم على صواب فيه، وبخاصة لو كان مَنْ يوجهنا لخطأ هذا الرأي هما الوالدان أو أحدهما، وقد استوعبت الطفلة في مسرحية ريش العصفور هذه القيمة الأخلاقية، كما أدركت أهمية طاعة الوالدين وعدم معارضتهما؛ وذلك حين عاندت والدتها، وأصرت على قصها ريش العصفور واحتفاظها به على سريرها، فكان أن حلمت ذلك الحُلم المزعج الذي عرفت منه سوء سلوكها، وندمت على ذلك التصرف، وعلى عنادها في مخالفتها كلام والدتها.
ونرى في مسرحية الطاووس الحزين توجيها من المؤلف لحسن اختيار الأصدقاء، ومشاورتهم في الأمور الهامة، والعمل بنصائحهم، ففي هذه المسرحية نرى الطاووس خرج من أزمته – وهي ظنه أن الأسد غاضب عليه، كما أخبره بذلك القرد الذهبي – حين استشار صديقه العصفور، وأبرز له صديقه العصفور خداع القرد الذهبي له، وتأكد من ذلك الأمر حين حضر مجلس الأسد، ورآه راضيًا عنه.
وأيضًا من القيم الأخلاقية التي نرى أثرها في هذه المسرحيات قيمة التثبت من الأخبار حين تصل إلينا، وبخاصة لو كانت هذه الأخبار ذات أهمية كبيرة، وبخاصة أيضًا لو كان من ينقل هذه الأخبار إلينا أشخاص متهمون في عدالتهم، وتُثار الشبهات حولهم، ونرى المؤلف تعرض لهذه القيمة الأخلاقية في مسرحية الطاووس الذهبي، ففي هذه المسرحية لم يتثبت الطاووس من كلام القرد الذهبي له في توعد الأسد له بالعقاب؛ لأنه يرى نفسه أجمل وأذكى منه، وصدق الطاووس كلام القرد الذهبي عن الأسد، وشعر بمرارة كبيرة، وشحبت ألوان ريشه، وسقط بعضه، وضعف وهزل، حتى تبين الحقيقة بمساعدة صديقه العصفور، فاسترد صحته، وعاد له جماله المشهور به.
ونرى في مسرحية الغيرة الأثر الحسن للأشخاص الطيبين، فهم يُكافَئون على حسن أعمالهم، وتُيسر لهم الأمورُ الصعبة، بل إنهم في محنهم قد تحدث لهم بعض الخوارق التي تشبه المعجزات؛ لتتم نجاتهم من هذه المحن الصعبة، كما نرى ذلك في مسرحية الغيرة، وفيها تنجو الطفلة لمياء من المحنة التي تسببت لها فيها زوجة والدها الشريرة بحدوث بعض الأمور الخارقة لقوانين الطبيعة.
ويؤكد المؤلف في مسرحية ريش العصفور على أهمية قيمة الحرية، ليس فقط للإنسان، بل أيضًا لكثير من الطيور والحيوانات، وقد أدركت الطفلة في هذه المسرحية أن امتلاكها للعصفور بقص ريشه حتى يكون بقربها ولا يطير قد جعله حزينًا وتوقف عن الغناء لها، وأدركت بعد ذلك أن استمتاعها بصحبة هذا العصفور وغنائه العذب لن يكون إلا بعد أن ينبت ريشه، ويتمكن من الطيران، فيكون حرًا.
٥ وهكذا رأينا كثيرًا من القيم الأخلاقية قد بثها المؤلف في مسرحياته الخمس الشعرية للأطفال؛ حتى ينتبه لها الأطفال الذين يتلقون هذه المسرحيات، ويميلوا إليها، ويقتدون بها.
والأمر الوحيد الذي أختلف فيه مع المؤلف فيما يخص القيم الأخلاقية في مسرحياته للطفل أنه جعل بعض الطيور تسخر من غيرها وتسبها بشكل مبالغ فيه في مسرحية الفرقاء، وتلك قيمة سلبية، وكان على المؤلف أن يُحذر الأطفال المتلقين لمسرحه للطفل منها، لا أن نراها بهذا الشكل في هذه المسرحية.