
بقلم/ د. علي خليفة
الفنتازيا تعني ببساطة رسم عالم مواز لعالمنا على الأرض، ولكن بقوانين مختلفة، وبأسلوب حياة مخالف تماما لأسلوب حياتنا على الأرض، وغالبا ما نرى في الأعمال الدرامية الفنتازية صورا مثالية للحياة نفتقدها على الأرض، ومن خلال رؤيتنا لها ندرك العيوب والمشاكل التي نعاني منها على الأرض، ونتطلع للتخلص منها.
وأحيانا نرى من خلال الفنتازيا صورا غريبة وعجيبة لبعض الأوضاع، ونرى كيف يمكن أن يكون حال المجتمع لو انتشرت فيه هذه الأوضاع الغريبة والعجيبة، كما فعل هذا أرسطوفان في مسرحية برلمان النساء، حين تصور في هذه المسرحية أن مجتمع أثينا الذي يحكمه الرجال قد حكمه النساء وسيطرن عليه، ومن خلال ريشة الفنتازيا نرى صورا ساخرة رسمها أرسطوفان في هذه المسرحية بعد أن صار للنساء حكم البلاد.
وشبيه بهذه الصورة العجيبة والغريبة التي رسمها أرسطوفان في مسرحية برلمان النساء ما نراه في مسرحية حلم جميل لمصطفى عبد الحميد، فمن خلال ريشة الفنتازيا صور لنا المؤلف في هذه المسرحية مجتمعا من المجتمعات قد صار يحكمه مجموعة من الأطفال، وعلى الرغم من أن هذا الأمر قد حدث في الحلم فإن المعالجة الفنتازية قد شملته.
وكان المدخل لهذا الحلم بهذا المجتمع الذي حكمه مجموعة من الأطفال أنهم كانوا يشعرون بأنهم لا يحصلون على كل حقوقهم كما يتمنونها، فحلموا جميعهم في وقت واحد ذلك الحلم العجيب.
وفي ذلك الحلم العجيب رأى هؤلاء الأطفال أنهم صاروا حاكمين لمجتمع من المجتمعات، ومنهم رئيس، ووزراء في وزارات مختلفة.
وبحس الطفولة الذي عند هؤلاء الأطفال فإنهم قاموا بأعمال غريبة، فرأينا مجتمعا مقلوبا يثير الضحك، ومن ذلك أن الطفل الذي قام بمنصب وزير الصناعة أهمل الصناعات الثقيلة، كصناعة الحديد والصلب، واهتم بصناعة لعب الأطفال، والأطعمة والحلويات التي يحبها الأطفال، وكذلك الحال مع الطفل الذي قام بعمل وزير السياحة فإنه جعل السياحة داخل البلاد للأطفال بمبالغ مخفضة في حين جعل سياحة الكبار بمبالغ كبيرة، واشترط ألا يسمح لأي سائح بالدخول للبلاد إلا برفقة أطفال صغار، أما الطفل الذي قام بعمل وزير الشئون الاجتماعية فإنه قد جعل المعاش من حق الأطفال من سن سنة حتى سن إحدى وعشربن سنة.
وكان من نتيجة تطبيق مثل هذه القرارات الغريبة أن اضطربت البلاد، وشحت السلع فيها، وكثرت المشاحنات بين الناس.
ويفيق هؤلاء الأطفال من نومهم بعد هذا الحلم العجيب الذي حلموه جميعهم، ويقتنعون بأنهم ليسوا مؤهلين لحمل المسئوليات الكبيرة، ولكنهم يقررون في الوقت نفسه أن يطالبوا الكبار المسئولين أن يكون هناك اهتمام أكبر بهم وبإعطائهم حقوقهم، كحقهم في التعليم، والرعاية الصحية، والضمان الاجتماعي، واللعب، وحقهم في الحصول على المعلومات والخبرات، والمشاركة والإسهام في الحياة الثقافية والفنية، وغير ذلك من الحقوق.