
بقلم/ د. علي خليفة
(١)
محمد كسبر كاتب موهوب في الكتابة للأطفال، فهو يجيد كتابة القصص والمسرحيات الموجهة للأطفال، أما الأشعار والأغاني التي يكتبها في بعض مسرحياته للأطفال – كتلك الأغاني والأشعار التي ضمنها مسرحية عهد الأسد – فإنها ضعيفة من الناحية الفنية، وتكاد تخلو من الموسيقى.
وغالبا ما نرى في المسرحيات التي يكتبها محمد كسبر للأطفال نهجا مستمرا في التجديد في الشكل والمضمون، ويتمثل هذا التجديد في الكتابة عبر النوعية، أو ما يسمى أيضا بتداخل الأجناس الأدبية، ومن مظاهر التجديد أيضا في مسرحياته للطفل ما فيها من تداخل الممثلين مع الجمهور، وبها أيضا اهتمام واضح بوجود التمثيل داخل التمثيل، كما نرى أنه يسعى دائما للأفكار الجديدة أو لكتابة مضامين تبدو جديدة من خلال ثيمات معروفة، كما نرى ذلك بشكل واضح في مسرحية كائن فريد.
ومن الملامح الواضحة أيضا في مسرحيات محمد كسبر للطفل وجود الكوميديا فيها، من خلال تصوير المواقف الكوميدية والمفارقات، والأنماط الكوميدية، والحوار الكوميدي بما فيها من سخرية وتعليقات طريفة.
وكل هذه الظواهر تتبدى بشكل واضح في مسرحية عهد الأسد التي نتناولها بالتحليل في هذا المقال.
(٢)
وحكمة هذه المسرحية الأساسية – أو فكرتها، أو مقدمتها المنطقية – هي أن الذي يضمن بقاء أي غابة – أو أي دولة – واستقرارها هو عهد من فيها وقسمهم على الاتحاد وعدم التفرق، وعهدهم أيضا على أن تسودها قيم العدل والمساواة بين الجميع، وألا يحتقر أي فرد فيها، فقد يكون صغير الحجم، ولكن نفعه كبير للآخرين، كحال العصفورة في هذه المسرحية التي سخر من صغر حجمها القرد والفيل، ولكنها كانت سببا في نجاة الغابة من حيلة الثعلب مع النمر؛ للتحلص من الحيوانات التي تعترض حكمهما لهذه الغابة.
(٣)
ونرى في هذه المسرحية غابة تبدو مثالية بفضل جهود ملكها الأسد الذي يحرص على نشر المعرفة وقيم العدل والمساواة بين حيواناتها؛ ومن مظاهر حرصه على تحضر هذه الغابة أنه أنشأ فيها معهدا للفنون، وأكاديمية للعلوم.
وتستحسن كل الحيوانات في هذه الغابة دعوات هذا الأسد وأعماله التي تجعل هذه الغابة فاضلة، فيما عدا الثعلب والنمر، وقد ظهر للأسد ولبقية حيوانات الغابة نوايا الثعلب الخبيثة في مواجهة القوانين الحكيمة، والمؤسسات العظيمة التي أنشأها الأسد في الغابة؛ لتبدو غابة مثالية، وحين رأى الأسد ما يدل على معاداة الثعلب لما يقوم به مع حيوانات هذه الغابة من تحضر أمر بنفيه خارج الغابة، وجعل الخرتيت يقف على مدخل الغابة، لا لشيء سوى منع ذلك الثعلب الماكر من دخول الغابة.
والحيوان الثاني الذي كان يقف في وجه ذلك التحضر الذي كان يسود هذه الغابة هو النمر الذي عينه الأسد وزيرا له في هذه الغابة.
وكان النمر يلتقي بالثعلب خارج الغابة، ويخططان للقضاء على الأسد؛ حتى يسهل عليهما هزيمة باقي الحيوانات في هذه الغابة وخضوعها لهما، وإعادة الغابة لما كانت عليه من قبل من تخلف وجهل.
ويستطيع النمر أن ينفذ خطة ماكرة أوحى له بها الثعلب، فوضع سما للأسد في طعام قدمه له، وأكل الأسد من ذلك الطعام، فصار مريضا قليل الحركة.
ويعجز القرد طبيب الغابة فى علاجه، ويظل الأسد على مرضه الشديد حتى نهاية المسرحية.
ويدعو الأسد حيوانات الغابة؛ ليعرفهم بعهده الذي يراه سفينة النجاة لحيوانات هذه الغابة؛ لما يمكن أن يتعرضوا له من مخاطر.
ولا يستطيع الأسد أن يقول عهده للحيوانات بسبب ما يحدث أمامه من خلافات يتسبب النمر فيها، لا سيما أنه يظهر – بشكل واضح عندما رأى الأسد مريضا – استهانته بكل حيوانات الغابة، ويتكلم بشكل صريح عن أنه سيكون ملكا على هذه الغابة بعد موت ذلك الأسد.
ويطلب الأسد إلى حيوانات الغابة أن تكون متحدة في مواجهة النمر؛ حتى تستطيع أن تهزمه.
وقبيل نهاية المسرحية بقليل يجتمع الأسد مع كل حيوانات الغابة – وهي القرد والفيل والخرتيت والعصفورة وزوجة الأسد – ويحدثهم عن عهده لهم الذي يضمن استقرار الغابة، وتطبيق القوانين التي تضمن وجود العدالة فيها، وبقاء التحضر بها، ويذكر لهم أن ذلك العهد هو قسمهم أمامه على اتحادهم المستمر، ويقسمون أمامه على ذلك.
ويتفق الثعلب مع النمر على أن يغير من أسلوب تعامله مع حيوانات الغابة خلال الأيام الثلاثة التي سمح له الأسد بالبقاء خلالها في الغابة بعد إعلانه تمرده، وقال له: إن هذا الأسلوب يتمثل في أن يظهر تودده إليهم؛ حتى يستطيع خداعهم بتقديمه طعاما فيه منوم، سيجعلهم ينامون لمد ة ساعتين بعد أكلهم له، وأنه سيأتي بعد ذلك ليقيدهم جميعهم، ويصبح هو والنمر حاكمين على هذه الغابة.
وتسمع العصفورة حديث الثعلب مع النمر بشأن هذه الحيلة، فتذهب إلى القرد والفيل، وتحدثهما عنها.
وتستطيع العصفورة أن تقوم بحيلة طريفة تجبر النمر على أن يأكل كل الطعام الذي أحضره وفيه سائل منوم، فينام وحده، وحين يأتي الثعلب يظن أن حيلته التي دبرها مع النمر قد نجحت، ولكنه يكتشف أن النمر فقط الذي أكل من ذلك الطعام، ونام وحده، وقيدته حيوانات الغابة، وتظهر الحيوانات للثعلب، وتقيده هو أيضا.
وتنتهي المسرحية بوعد العصفورة للأسد بأن تذهب في رحلة طويلة؛ من أجل أن تبحث له عن شخص حكيم يمكنه أن يعالجه من السم الذي دخل جسمه، وتسبب في ذلك المرض الذي أصابه بالضعف.
(٤)
ولا أخفي إعجابي بأحداث هذه المسرحية المثيرة من بدايتها لنهايتها، وكذلك لا أخفي إعجابي بالحيل الطريفة التي دبرتها العصفورة، وكانت سببا في هزيمة النمر والثعلب، وبقاء هذه الغابة على ما هي فيه من مثالية وتحضر.
وكذلك يحسب للمؤلف في هذه المسرحية ما تبثه من قيم أخلاقية، ومنها الحث على الاتحاد وعدم التفرق، والحث على عدم التنمر، كاحتقار أي شخص لصغر سنه أو لضآلة حجمه – كتصرف القرد والفيل مع العصفورة، وقد كانت هي بذكائها سببا في نجاة الغابة وحيواناتها من الحيلة التي حاول الثعلب مع النمر عملها؛ للسيطرة على هذه الغابة والحيوانات التي فيها – وكذلك من القيم الأخلاقية التي تبثها هذه المسرحية الحث على الاهتمام بأصحاب المواهب، وتنمية مواهبهم من خلال الدراسة في أماكن التعليم المتخصصة في تنمية هذه المواهب عند من تبدو عليهم.
وكذلك يحسب للمؤلف في هذه المسرحية أنه جعل المتعة مستمرة فيها، ليس فقط من خلال ما فيها من أحداث مثيرة مستمرة حتى نهايتها، ولكن أيضا من خلال عناصر الكوميديا التي بثها المؤلف في كل فصولها ومشاهدها، ومزج بين هذه العناصر، فبدت متضافرة في كثير من المواقف في هذه المسرحية.
ومن عناصر الكوميديا التي وظفها المؤلف في هذه المسرحية الأنماط الكوميدية، ومن هذه الأنماط الكوميدية شخصية الفيل الذي بدا نمطا للشخص الشديد النهم للطعام، وشخصية النمر الذي يمثل نمط الشخص الساذج المتهور، وقد شكل ثنائيا طريفا في هذه المسرحية مع الثعلب، فأحدهما قوي الجسم ولكنه متهور وساذج – وهو النمر – والآخر ليس بقوة النمر، ولكنه ماكر خبيث – وهو الثعلب – وهذا الثنائي تم توظيفه في مسرحيات أخرى للأطفال، ومنها مسرحية الحمار أبو الأفكار لوليد كمال.
وأيضا من الأنماط الكوميدية في هذه المسرحية القرد الذي بدا نمطا للشخص المدعي العلم رغم جهله، وهو في هذه المسرحية يدعي علم الطب، ولكن شأنه شأن مدعي علم الطب في بعض مسرحيات موليير، كمسرحية مريض الوهم، ومسرحية الطبيب رغم أنفه، ومسرحية الحب أحسن طبيب.
وأيضا من عناصر الكوميديا في هذه المسرحية المفارقات التي فيها، ومنها ما نراه في بداية هذه المسرحية من ادعاء القرد أنه طبيب ماهر، ثم يتضح لنا أنه طبيب فاشل، ومدع، وتظهر المفارقة أيضا في حوار العصفورة – في المشهد الأول بهذه المسرحية- حين تعترض على قول الفيل بضرورة ضربه للقرد لادعائه علم الطب، ثم يتصح لنا من استكمالها كلامها أنها لا تمانع في ضرب الفيل للقرد، ولكنها تريد أن تشارك الفيل في ضرب القرد، لا أن يضربه هو وحده.
كذلك من عناصر الكوميديا في هذه المسرحية ما فيها من تكرار بعض العبارات والأصوات، كتكرار النمر صراخه “عااااا” بشكل يثير الصحك.
وكذلك من عناصر الكوميديا في هذه المسرحية وصف بعض الحركات التي تثير الضحك، كحمل الفيل للقرد خلال التدريبات الرياضية التي يقوم بها، كما لو كان يحمل أثقالا.
وكذلك تعد من عناصر الكوميديا في هذه المسرحية المواقف التي يقوم فيها بعض الحيوانات بالتمثيل داخل التمثيل فيها، كتمثيل القرد والفيل لما سينفذانه عند اشتباكهما مع النمر.
(٥)
وأعتقد أن هناك بعض الأمور لم يكن المؤلف موفقا فيها في هذه المسرحية، ومن ذلك أننا نرى أنه لم يكن مقنعا أن الغابة التي بهذه المسرحية قد انحصر كل الحيوانات التي ظهرت فيها على ثماني حيوانات فقط، رغم أنها غابة كبيرة، فيها معهد للفنون بأقسام متعددة، وأكاديمية للعلوم، بأقسام مختلفة أيضا، وكذلك لم يكن مقنعا – في هذه المسرحية – أن نرى العصفورة تكلم القرد والفيل، وتقول لهما: إن مسئولية حماية الغابة ومواجهة الأخطار التي تتعرض لها بعد مرض ملكها الأسد تقع على عاتقها هي والفيل والقرد فقط، وكأن الغابة ليس فيها حيوانات أخرى يجب عليها القيام بالدفاع عنها عند تعرضها للمخاطر؟
كما أنه لم يكن مقنعا – في هذه المسرحية – أن يصيب الأسد ملك الغابة تسمم شديد، ويظل يعاني طوال فصول المسرحية الثلاثة، وتقول له العصفورة – في ختام المسرحية – إنها ستذهب في رحلة طويلة للبحث عن حكيم يمكنه علاجه، فلا شك أن هذا التسمم لا يمكن الصبر عليه كل هذه الفترة الطويلة.
كما أن نهاية هذه المسرحية – والأسد ملكها ما زال مريضا، ومرضه يشتد عليه بسبب التسمم الذي دخل في جسمه – ستجعل الأطفال غير مستريحين لها، فالأطفال يحبون النهايات السعيدة والواضحة، في حين أن هذه النهاية فيها ليست بهذا الشكل.
وأعتقد أيضا أن الأطفال المتلقين لهذه المسرحية سيتعجبون – مثلي – من اختيار الأسد لغابته الفاضلة وزيرا أحمق متهورا، وفيه قدر من السذاجة، ومن الغريب أنه اكتشف غدر الثعلب، فطرده من هذه الغابة، في حين أنه استبقي النمر المكشوف للجميع في تهوره وكرهه لما يقوم به الأسد من وضع قوانين عادلة وإنشاء مؤسسات تعمل على تحضر حيوانات هذه الغابة!