مسرحية سر البني آدم

سبتمبر 02, 2025

بقلم/ د. علي خليفة 

تظهر هذه المسرحية الإنسان على أنه سيد المخلوقات على الأرض، وأنه استحق هذه السيادة بما له من عقل يفكر به، ويحصل به المعلومات المختلفة، ويختزن فيه معارفه، كما أنه وسيلته للاختيار بين الأشياء؛ وبهذا استحق للثواب والعقاب في الآخرة.

وعلى الرغم من خوف بعض الحيوانات غير المفترسة في هذه المسرحية من الإنسان فإنها تقتنع في النهاية بأنه ليس عدوا لها، كما كانت تظن ذلك من قبل، ولكنه معين لها في حياتها بتأمين حياتها من مخاطر الحيوانات المفترسة، وإحضار الطعام لها، وفي مقابل هذا يحصل الإنسان على المعرفة من تأمله لهذه الحيوانات، كما أنه يجد متعة كبيرة في النظر إليها.

(٢)

وقد استلهم الدكتور محمد حسن عبد الله أحداث هذه المسرحية من إحدى القصص الشعبية المشهورة، وتتلخص هذه القصة في أن الأسد قد سمع عن الإنسان وعن قوته، ورغب في تحديه وهزيمته، ولكن شخصا نجارا بسيطا يستطيع بحيلة ماكرة هزيمة ذلك الأسد، وتقييد حركته؛ مما يؤكد أن الإنسان هو أقوى المخلوقات على الأرض بذكائه.

وقد سبق أن استلهم بعض الكتاب هذه القصة في مسرحيات لهم للأطفال، ومنهم سمير عبد الباقي الذي استلهمها في مسرحيتين له؛ هما: مسرحية سبع في القفص “أو اعمل معروف يا قرد”، ومسرحية الطحان وملك الغابة، كما استلهم هذه القصة السيد حافظ في مسرحية سفروتة في الغابة.

وهناك مسرحيات أخرى للطفل لا نرى فيها استلهاما مباشرا لهذه القصة، ولكننا نرى فيها صورا مختلفة من عداوة الحيوانات للإنسان؛ لما يسببه لها من مخاطر كثيرة، ومن ذلك مسرحية مغامرات الأصدقاء الأربعة ليعقوب الشاروني، ومسرحية جماعة القرود والعصا السوداء لعز الدين علام، ومسرحية الليلة نحتفل للدكتور محمود سعيد.

(٣)

والحدث الرئيس في مسرحية سر البني آدم للدكتور محمد حسن عبد الله عن مجموعة من الحيوانات تجتمع عند حافة غابة، ويظهر منها في البداية البطة التي تحمل في سلة بيضا لها، وتبحث عن مكان آمن لترقد عليه حتى يفقس، ويخرج صغارها منه، وهي لا تخشى من أي أحد غير البني آدم الذي كثر تحذير الحيوانات والطيور لها منه.

وتقترب في ذلك المكان طاووسة من هذه البطة، وتشاركها في خوفها من البني آدم، كما يشاركهما الوعل  – الذي يدخل عليهما – خوفه من البني آدم، ويبدو الجمل أكثر الحيوانات خوفا من البني آدم ومعرفة به؛ وذلك لأنه رآه وعاش بقربه بعض الوقت.

وحين يخرج الشبل ابن الأسد من عرين والده يشارك هذه الحيوانات رأيها في أن الإنسان هو أشد المخلوقات سوءا وبطشا على الأرض، ولكنه يخالفها في عدم خوفه منه، بل إنه يأمل أن يظهر له البني آدم؛ ليصارعه وينتصر عليه.

وتكون المفارقة في أن يدخل على هذه الحيوانات في ذلك المكان الذي اجتمعت فيه رجل عجوز يعمل نجارا، ويستطيع بمكره أن يوهم الشبل أنه جاء ليصنع بيتا من الخشب للفهد وزير الأسد في الغابة، فيطلب إليه الشبل أن يصنع له قبله بيتا من الخشب، فيقوم النجار بصنعه بسرعة، ويكون على هيئة صندوق له باب، وما إن يدخله الشبل حتى يغلقه عليه النجار العجوز، ويعرفه أنه انتصر عليه بذكائه.

ويطمئن النجار العجوز كل الحيوانات التي كانت تخاف من البني آدم أنه لن يؤذيها، بل سيعمل على حمايتها من الحيوانات المفترسة التي ترغب في صيدها، وفي مقابل ذلك سينال المعرفة بتأمله لها، كما أنه سيجد متعة كبيرة في صحبته لها، وتنتهي بهذا تلك المسرحية.

(٤)

وتعد المعلومات التي ذكرها المؤلف في هذه المسرحية عن طبيعة بعض الحيوانات والطيور وبعض خصالها – كالوعل والجمل والأسد والبطة والطاووس – من أهم ما يحصله الطفل الذي يتلقى هذه المسرحية بالقراءة أو بالمشاهدة عند عرضها؛ لكثرة هذه المعلومات فيها، حتى ليمكن أن نطلق على هذه المسرحية أنها مسرحية تعليمية، وتناسب أطفال مرحلة الطفولة المبكرة والمتوسطة.

ولكن هذه المعلومات الكثيرة عن الحيوانات والطيور والإنسان وأمور أخرى في هذه المسرحية لها دور واضح في بطء حركة هذه المسرحية، ولكن يمكن أن يرد على هذا المأخذ بأن طبيعة المسرحيات التعليمية أن تكون بهذا الشكل؛ في طغيان المعلومات فيها على حساب سرعة الإيقاع بها، وتسارع الأحداث فيها.

(٥)

والحقيقة أن هذه المسرحية رغم كثرة عرض كثير من المعلومات بها فقد تم عرضها بشكل مبسط يمكن للأطفال فهمها واستيعابها، كما أن هذه المسرحية بهذا الشكل لم تخل من إثارة، بل بها نصيب جيد من ذلك، وتظهر هذه الإثارة في محاولة البطة التعرف على البني آدم، وظنها أن كل حيوان تراه لأول مرة أنه البني آدم بطريقة حملت بعض الفكاهة، وهذه الفكاهة أمر مهم جدا في مسرح الطفل.

(٦)

ولعلي أختلف مع أستاذنا الدكتور محمد حسن عبد الله في هذه المسرحية في أن الجمل لم يكن هو الحيوان المناسب؛ ليكون أكثر الحيوانات والطيور في هذه المسرحية كرها للإنسان وخوفا منه؛ لأن الجمل معروف بصحبته للإنسان وحبه له، كما أن الناس – لا سيما أهل البدو – يشتد حبهم للجمل وتعلقهم به، ويحرصون على اقتناء سلالاته العريقة.