
بقلم دكتور/ علي خليفة
تعددت وتنوعت عناصر الكوميديا في مسرحية سلام يا بيسو، وبدت متلاحمة في كثير من المشاهد فيها، وهذا التداخل بينها في كثير من مشاهد هذه المسرحية زاد من جرعة الكوميديا بها، وجعلها ممتعة في قراءتها، وستكون أكثر إمتاعًا عند عرضها بتنفيذ جيد.
وأبرز عناصر الكوميديا ظهورًا في هذه المسرحية هو توظيف الأنماط الكوميدية فيها، وقد بدت أكثر الشخصيات فيها أنماط كوميدية، وبرز من كل شخصية منها صفة أو أكثر تميزها، وغالبًا ما تكون هذه الصفات سلبية، ويتم تضخيمها؛ حتى تثير الضحك، وبخاصة عند وضع هذه الشخصيات في مواقف تعمل على تصوير تلك الجوانب السلبية فيها بشكل كبير.
وأبرز نمط كوميدي في هذه المسرحية هو شخصية فالح، وهو الشخصية الرئيسة التي تشغل أكبر مساحة في هذه المسرحية، وله دور كبير في تطور الأحداث بها.
ويتصف فالح في هذه المسرحية بأنه شخص أناني وانتهازي وشديد الطمع، وهو جبان أيضًا، وثرثار في بعض المواقف، ويضاف لهذا أنه خفيف الظل، ويتصف بتعليقاته الظريفة.
وبسبب طمع فالح – الذي يعمل فراشًا في معمل العالم الكبير الدكتور شعشع – فإن (زاد ون )قائد كوكب الدمار ومساعدته (فلاشكا) أغريان بتغيير شريحة السلام الموضوعة في الإنسان الآلي بيسو، ووضع مكانها شريحة للشر؛ حتى لا يقوم بيسو بنشر السلام في العالم، ولكن يقوم ببث الحروب والدمار فيها.
ولا يعبأ فالح في البداية بالعواقب التي نتجت عن عمله هذا الذي أصاب الأرض وبعض سكانها بالدمار، ولكنه – وقرب نهاية المسرحية- حين يرى دمارًا كبيرًا حل على الأرض بسبب ذلك يتراجع عن طمعه، وأنانيته، ويقر بخطئه، ويتنازل عن كل الثروة التي حصل عليها من زاد ون بسبب العمل السيء الذي قام به في تغيير شريحة السلام التي في بيسو لشريحة الكراهية والتدمير.
وهذا التغيير الذي حدث في شخصية فالح مع نهاية المسرحية قد يبدو غريبًا بعض الشيء؛ لأنه أناني وشديد الطمع، ولكنه رغم ذلك كان ظريفًا، ولا شك أن الأطفال سيعجبون بظرفه؛ ولهذا كان من الأفضل بالفعل أن يعترف بخطئه في نهاية المسرحية، ويتراجع عن أفعاله الشريرة، ويتنازل عن كل المال الذي كسبه بطرق غير مشروعة.
ومن ضمن تعليقات فالح الظريفة قوله بأنه شديد الجبن، حتى إنه يشعر بالخوف لو رأى جيلاتي أمامه.
كما أنه كان يفاضل بين نفسه وبين بيسو الإنسان الآلي، وكان يرى نفسه أفضل منه.
وكان فالح يقوم أحيانًا بأعمال تدل على سذاجته، وفي أحيان أخرى كان يقوم بأعمال تدل على وعيه وشدة طمعه، وهذا التناقض في تصرفاته كان أيضًا من أسباب الضحك من هذه الشخصية في هذه المسرحية.
وأيضًا من الأنماط الكوميدية التي برزت في هذه المسرحية شخصيتا الحارسين اللذين أتي بهما ليحرسا بيسو، وهما منياوي وطنطاوي، ومن الغريب أنهما شديدا السذاجة، ومن سذاجتهما أنهما كثيرًا ما يتعاملان مع بيسو على أنه إنسان مثلهما، فيطعمانه فولا، ويلعبان معه لعبة صلح، ولعبة الاستغماية، ومن الغريب أنه يوافقهما على لعب هذه الألعاب التي لا تتناسب معه كإنسان آلي وقور، ومهمته التي عليه القيام بها كما اخترعه الدكتور شعشع بالشريحة التي وضعها فيه أن ينشر السلام في العالم.
وأيضًا من الأنماط الكوميدية في هذه المسرحية الدكتور شعشع العالم المخترع، وهو رغم كونه عالمًا مخترعًا كبيرًا فإنه شديد العصبية، وقد يقوم خلال عصبيته بأعمال غريبة تثير الضحك.
وكذلك اتصف زاد ون قائد كوكب الدمار بأنه عصبي جدًا، بل إنه أشد عصبية من الدكتور شعشع، وكان ينفس عن غضبه خلال عصبيته بتدمير بعض الآلات والمعدات.
أما بوزو وبيشو العاملان اللذان يعملان في خدمة زاد ون فإنهما أيضًا اتصفا بالظرف، وقدر من السذاجة، وظهرا كثيرًا مختلفين، وكان بوزو بجسمه الضخم يحطم بعض الأبواب التي يمر منها.
وكذلك من الأنماط الكوميدية في هذه المسرحية شخصية المذيع أبو سريع السريع ، الذي يعتز كثيرًا باسمه، وينطقه كثيرًا، وكان يعلق على الأخبار بطريقة غريبة تثير الضحك، وكان لا يكتفي بظهوره في التليفزيون، بل أحيانًا يخرج منه، ويتحاور مع بعض الشخصيات التي تتابعه على شاشة التليفزيون؛ ليعلق على كلامها بخصوص ما يذيعه في التليفزيون.
أما بيسو الإنسان الآلي في هذه المسرحية، فهو على عكس ما ينتظر منه، فقد كان ينتظر منه أن يكون ذكيًا، ولكنه بدا ساذجًا، وكان يتم خداعه بسهولة حتى من قبل الحارسين الساذجين طنطاوي ومنياوي، وكذلك كانت طريقة كلام بيسو الآلية تدعو للضحك كثيرًا، لا سيما أنه كان يتكلم عن نفسه دائمًا بضمير الغائب، فيقول مثلا: بيسو زعلان أو بيسو غاضب.
وأيضًا من عناصر الكوميديا في هذه المسرحية المفارقة، وتظهر المفارقة في هذه المسرحية في أمور عديدة، ومن ذلك أننا نرى الحارسين اللذين أتي بهما لحراسة بيسو والحفاظ عليه ساذجين وغير مؤهلين تمامًا لعملهما.
وكذلك ظهرت المفارقة في هذه المسرحية في اعتقاد هذين الحارسين في البداية أنهما سيحرسان كلبًا أو قطة، وأبديا امتعاضهما من ذلك، ثم اتضح لهما أنهما سيحرسان إنسانا آليًا.
وكذلك بدت المفارقة في هذه المسرحية في أن هذين الحارسين رغم سذاجتهما الواضحة فإنهما سخرا كثيرًا من بيسو، ووضعاه في مواقف مضحكة، كلعبهما معه لعبة صلح، وضربهما له على قفاه خلال هذه اللعبة بشكل ساخر يقلل من قيمته.
وأيضًا من عناصر الكوميديا في هذه المسرحية استخدام الأسماء التي تثير الضحك حين النطق بها، وهي: فلاشكة، وبوزو، وبيشو، وزاد ون، والدكتور شعشع.
وكانت طريقة الدكتور شعشع في الكلام تثير الضحك أيضًا؛ لأنه كان يتهته في كلامه، وتكون المفارقة في أنه رغم كونه عالمًا مخترعًا كبيرًا فإنه كان لا يستطيع الكلام بسهولة، ويتعثر في كلامه.
وأيضًا كان فالح ينطق بعض الأسماء بصورة مضحكة متعمدا في ذلك أو عاجزًا عن نطقها نطقًا سليمًا، كنطقه لاسم زاد ون بقوله زفتون.
ويعد التكرار من عناصر الكوميديا التي تم توظيفها في هذه المسرحية، ومن ذلك تكرار نطق فالح لاسم زاد ون بصورة غير صحيحة، وتكرار اصطدام طنطاور ومنياوي أحدهما بالآخر حين يوجه إليهما الأمر بتنفيذ شيء، وكذلك بدا التكرار في كسر بوزو باب مركز التحكم في كوكب الشر حين دخوله منه لضخامته وقوة جسمه، وكذلك رأينا التكرار في دهس بوزو قدمي بيشو في مرات عديدة بهذه المسرحية.
ومن ضمن عناصر الكوميديا الأخرى التي تم توظيفها في هذه المسرحية الحط من المقام، ومن صور الحط من المقام في هذه المسرحية سخرية طنطاوي ومنياوي وفالح المتكررة من بيسو، وضرب طنطاوي ومنياوي له خلال لعبهما معه لعبة صلح، كما ظهر الحط من المقام في هذه المسرحية في نيل بوزو من بيشو كثيرًا في هذه المسرحية بالدهس على قدميه أو بسلبه بعض ملابس أطفاله.
وأيضًا اعتمد المؤلف كثيرًا في هذه المسرحية على كوميديا الحركة، وهي من أكثر عناصر الكوميديا تأثيرًا في الأطفال، وإضحاكًا لهم، وبدت هذه الكوميديا في ضرب منياوي وطنطاوي لبيسو خلال لعبهما معه لعبة صلح، وخلال اصطدامهما عندما يطلب إليهما تنفيذ أي أمر من الأمور من الدكتور شعشع أو مساعدته الدكتورة روان.
وبدت أيضًا كوميديا الحركة في تكرار بوزو دهسه قدمي بوشو.
وشمل المسرحية كلها حوار محمل بالكوميديا في التعليقات الساخرة، واللمز واللعب بالألفاظ، والنطق الخاطئ لبعض الأسماء لا سيما على لسان فالح.
وأيضًا كان تفاعل بعض السخصيات في هذه المسرحية مع الجمهور في صالة المسرح من عناصر الكوميديا فيها، وكان لهذا التفاعل أيضًا أثر واضح في بث جرعة كبيرة من الفرجة في هذه المسرحية، وستكون أكثر ظهورًا عند عرضها على خشبة المسرح.