مقال عن مسرحية (أراجوز وأراجوزتا )
تأليف : سعيد حجاج
اخراج: ناصر عبد التواب
بقلم : د.علي حسين حمدان
جمالية الفرجة وتربوية المضمون
يولد الإنسان مجبول بعادات وتقاليد يحتفظ بها العقل الجمعي تربى عليها وصارت جزءاً من سياقات حياته اليومية في التعامل مع المواقف والأحداث والوقائع , وهو مايعرف حسب فرويد) باللاشعور الذي يتكون من الدفعات والرغبات منذ الطفولة المبكرة ويؤثر في كل حياة الفرد في المستقبل , , فضلاً عن نظرية يونغ عن اللاوعي الجمعي , منها صائب وسليم ومنها ما يشكل نقصاً بنيوياً في الشخصية , بسبب قلة الوعي الناتج عن قلة الإطلاع والتواصل والبحث والتقصي والوقوف على السبب والنتيجة , والمسرح واحد من الوسائل التي أسهمت في تغيير مسارات التعامل مع الوقائع بوصفه منبراً تمرر من خلاله الرسائل الإنسانية ( اجتماعية , ثقافية , سياسية , معرفية ) وهنا يكون المسرح وسيط للرسالة والمتلقي مستقبل للرسالة , ومن هذا المنطلق يتخذ ( سعيد حجاج ) كمؤلف و(ناصر عبد التواب ) كمخرج من المسرح (نصاً وعرضاً) مركزاً باثاً ليغرس في المتلقي قيماً وأبعاداً إنسانية تربوية , لا عن طريق التلقين المباشر , وإنما عن طريق تحريك الحواس والتفاعل الدرامي مع حكاية المسرحية والمشاركة في الحدث وإبداء الرأي بمجريات الأحداث ,تجسدها فرجة مسرحية أساسها المتعة والتعلم , ففي عرض مسرحية ( اراكوز واراكوزتا ) يأخذنا (عبد التواب ) في رحلة بواسطة قطار الحكايات ليرسخ قيماً أعلاها (الحلم ) والتي يقصد بها التروي والتأني في اتخاذ القرار وإصدار الحكم فضلاً عن الإصغاء إلى الآخر وانتظار الدور في الكلام وعدم مقاطعة المتكلم , والأخبار عن الخطر وعدم إظهار اللامبالاة ,و في الاتحاد قوة والوقوف ضد الشر , إذ يجعل (عبد التواب ) من مسرح العرائس الصغير مساحات متغيرة وفضاءات متعددة لأزمنة مختلفة , حرية الحركة والانتقال في الزمان والمكان , من زمن الاراكوز واراكوزتا في السيرك الذي يمثل الزمن الآن والهنا إلى مكان مجهول لا ينتميان اليه ليلتقيا ب( السندباد , سندريلا , علاء الدين ) شخصيات من الموروث الحكائي تشكل ذاكرة جمعية حاضرة عند المتلقى وما تمثله من قوى خير لها تأثيرها الفاعل والمقبول , ثم ينتقل إلى قصر الملك لنشهد على أحداث شكلت البنية الرئيسة للعرض , إذ يعود السحرة الأشرار إلى المملكة للانتقام , بعد أن طردهم الملك خارج المملكة , في محاولة تفسير حلم الملك بطريقة عدوانية وشريرة انتقامية , مستخدماً (عبد التواب ) تقنية (خيال الظل) في عرض حلم الملك, وهو ما يشكل تنويعاً بصرياً وإشراك أكثر من تكنيك لمسرح الطفل في العرض المسرحي , وهنا يتدخل الاراكوز والاراكوزتا بإشراك الجمهور , بعد أن يطلعوا على ما يضمره السحرة من شر للملك و المملكة , إذ يجعل (عبد التواب ) من الجمهور مشاركاً فاعلاً في مجريات الأحداث بإثارة التفكير وإبداء الرأي في حوار مباشر تبادلي ما بين الاراكوز والاراكوزتا والجمهور , ليكون الرأي هو إخبار الملك بما يخطط له السحرة من شر للملك والمملكة , إذ يتحقق ذلك بعد أن تتضافر جهود الجميع ( زوجة الملك , الوزير , الحكيم ) وتحقيق شعار( في الاتحاد قوة ) , والاحتكام إلى الحكيم وليس للسحرة , وتجسيد لمعنى كلمة الحلم بعدم التسرع والتأني وتروي الملك في اتخاذ القرار .
عملت الموسيقى والأغاني في العرض المسرحي على مرافقة الحدث وتصعيد الشحنة الدرامية بصورة منضبطة شكلت المعادل الموضوعي في اكتمال الصورة المشهدية .
كما وإن للإمكانات التي يتمتع بها محركي العرائس الدور الكبير في تحقيق التناغم والتفاعل بين حوار وحركة العروسة إيصال المعنى للجمهور .
تحية للجهود المخلصة التي تضافرت في إنجاز هذا العرض وإظهاره بهذا الشكل الفني الجمالي المبهر .