مناظرات الطفل

أكتوبر 21, 2025

بقلم د/علي خليفة

يعد فن المناظرة الموجه للطفل من أكثر الفنون التي تشغل الطفل ويمارسها، سواء أكان ذلك في المدرسة من خلال بعض الأنشطة، أم خارج المدرسة من خلال عمل المناظرات بين بعض أفراد أسرته، أو بين بعض أقاربه، أو بين بعض جيرانه، في بعض الأمور العلمية أو الحياتية.

وعلى الرغم من أهمية فن المناظرة للطفل فإن ما يُكتب عنها من كتب ودراسات قليل جدًا مقارنة بما يكتب عن أجناس أدبية أخرى موجهة للطفل، كالقصة والمسرحية والرواية والقصيدة أو الأنشودة، وأعتقد أن من أسباب قلة ما يُكتب عن مناظرات الطفل هو قلة المتخصصين في هذا المجال.وسأحاول في هذا المقال أن أتحدث بشكل مركز عن فن المناظرة الموجه للطفل.

والمناظرة تعني الحوار بين طرفين أو أكثر في أي قضية من القضايا يمكن التناظر حولها، ويحاول كل طرف في المناظرة أن يعرض حُججه وأدلته في الأمر الذي يميل إليه في موضوع المناظرة، وفي الوقت نفسه يحاول أن يفند حجج الطرف الآخر وأدلته، أو حجج الأطراف الأخرى وأدلتها.

وهناك قواعد وآداب للمناظرة لا بد من مراعاتها، ومن قواعد المناظرة أنه لا بد من الاتفاق على موضوعها قبل الشروع فيها، ولا بد من تحديد وقت للمناظرة كلها، وكذلك يجب وضع مساحة زمنية لكل شخص حين كلامه في المناظرة.

وللمناظرة آداب عامة يجب مراعاتها، ومنها عدم رفع الصوت بشكل مثير ومزعج خلال المناظرة من أي شخص، فالحُجة القوية تغني بنفسها عن الصراخ، كما يجب على المتناظرين أن يعرضوا حُججهم بالأدلة والبراهين الواضحة، وألا يستعينوا فقط بالعبارات المنمقة، وكذلك يجب على المتناظرين في المناظرة أن يردوا على حُجج المتنافسين معهم بأسلوب هادئ، دون تجريح أو تسفيه، والأفضل هنا أن يكون الرد على الحجج بحُجج أقوى منها، وأنه إذا رأى فريق في المناظرة أن حجج الفريق المنافس له قوية ولا يمكن الرد عليها، فمن الواجب التسليم بها، والدخول في عرض جوانب أخرى من الموضوع المتناظر حوله.

وأيضًا من آداب المناظرة أن يحسن كلُ متناظر الكلام، فيعرض لما يتكلم عنه بشكل فيه تدرج، وألا يكون في كلامه تكرار أو إطالة أو استطراد، وكذلك يجب على المتناظر في المناظرة أن يُحسن الاستماع لكلام الفريق الآخر الذي يتنافس معه في المناظرة، وكان الحسن بن علي عليهما السلام يوصي ابنه فيقول له: يا بني كما تعلمت حسن الكلام فتعلم حسن الاستماع.

ومن آداب المناظرة أيضًا أن يكون الغرض منها الوصول للحق، وليس مجرد السفسطة وعرض الكلام البليغ دون أسانيد عليه، ولهذا يجب على الفريق الذي يشعر بضعف حججه في المناظرة أن يعترف بهزيمته، وأن يرى أن هذه الهزيمة ليست شيئًا مُهينًا، فالعبرة من المناظرة الوصول للحق – كما قلنا – والتدرب على الجدال بالتي هي أحسن.

ويفضل في فن المناظرة أن يكون هناك حكم من شخص – أو أكثر – ينظم الحوار بين المتناظرين، ويقوم بالحكم على الفريقين المتناظرين في نهاية المناظرة.

والموضوعات التي يمكن التناظر فيها للطفل عديدة جدًا، وهي تختلف من مرحلة طفولة لأخرى، ومن تلك الموضوعات؛ المناظرة بين الليل والنهار، والمناظرة بين فصول السنة، والمناظرة بين الشمس والقمر، والمناظرة بين القرية والمدينة، والمناظرة بين اللغة العربية الفصحى واللهجات العامية، والمناظرة بين الشعر والنثر، والمناظرة بين العمل الحكومي والعمل الخاص، والمناظرة بين المدارس الحكومية والمدارس الخاصة، والمناظرة بين الصناعة والتجارة، والمناظرة بين الكتاب الورقي والكتاب الرقمي، وهناك موضوعات أخرى عديدة يمكن التناظر فيها للأطفال.

أما عن كيفية عقد المناظرات للأطفال فإن هناك نشاطًا للمناظرة في المدارس، وغالبًا ما يكون هناك مشرف للصحافة يقوم بالإشراف على نشاط المناظرة داخل كل مدرسة، ويكون هذا المشرف حلقة للاتصال لعمل مناظرات بين بعض الطلاب في مدرسته وبعض الطلاب في مدارس أخرى، ويكون لهؤلاء الطلاب في تلك المدارس مشرفون يعدونهم لتلك المناظرات.

ولي تجربة خاصة عن عقد مناظرات الطفل، فخلال تدريسي في التربية والتعليم في العقد الأخير من القرن العشرين كنت أدرس لتلاميذ صغار، وكنت أنفذ بعض حصص التعبير فيهم من خلال تقسيم الفصل لفريقين، وأعرض عليهم موضوعًا للمناظرة، ويختار كل تلميذ الجانب الذي يريد أن يؤيده في هذه المناظرة، ويتم التناظر بين الفريقين المتناظرين في الفصل بإشراف مني، وكنت أتدخل في هذه المناظرات قليلًا حين يقتضي الأمر مني ذلك، وكان الأطفال المتناظرون يستمتعون بحصة التعبير حين تكون من خلال المناظرة.

وقد تناظر تلاميذي في هذه الحصص في موضوعات عديدة، ومنها المناظرة بين القرية والمدينة، والمناظرة بين الصناعة والتجارة، والمناظرة بين الربيع والخريف، والمناظرة بين الصيف والشتاء، والمناظرة بين الليل والنهار، والمناظرة بين العمل الحكومي والعمل الخاص، وغير ذلك من الموضوعات.

وقد اكتشفت في هذه المناظرات تلاميذ كثيرين لديهم موهبة كبيرة في الجدل والحوار، وكذلك وجدت بعض تلاميذي يعدون لهذه المناظرات التي أعلنت عنها قبل موعد المناظرة؛ ليعرضوا حججهم بشكل علمي وبأدلة قوية.

وأذكر هنا أيضًا أنني ألفت كتابًا عن المناظرات الشعرية للأطفال، وقد كتبت فيه عدة مناظرات للأطفال؛ بعضها بالشعر العمودي وبعضها بالشعر الحر، ومن ضمن موصوعات التناظر في هذا الكتاب؛ المناظرة بين فصول السنة، والمناظرة بين الحرب والسلام، والمناظرة بين القرية والمدينة، والمناظرة بين اللغة العربية الفصحى واللهجات العامية، والمناظرة بين الشعر والنثر، إلى جانب موضوعات أخرى كتبت مناظرات شعرية عنها في هذا الكتاب.

وقد قصدت من صياغتي مناظرات ذلك الكتاب شعرًا أن يحفظها الأطفال، ويحفظ الحُجج والأدلة التي بها، لتكون نماذج لهم محفوظة يستعينون ببعض ما فبها خلال مناظراتهم .

وأعتقد أن هذا الكتاب بالمناظرات التي فيه مفيد للأطفال في مرحلة الطفولة المتوسطة على وجه الخصوص، ويجب أن أنبه هنا إلى أن فن المناظرة يعتمد بالأساس على المواجهة، ولهذا فإن المناظرات المكتوبة لها بعض الفائدة، ولكن سير المناظرات الشفهية مختلف؛ لأن المتناظرين فيها غالبًا ما يواجهون بحُجج وأدلة لم يتوقعوها، وتظهر براعتهم في سرعة الاستجابة لها، والقدرة على دحضها بالبراهين والحجج الصحيحة دون سفسطة أو محاولة للإثارة الفارغة.

 

وختامًا، أرجو أن يكون لهذا المقال صدى جيد في الاهتمام بالمناظرات الموجهة للطفل.