محمود يسري يكتب: أحمد فضل شبلول والمختارات الشعرية للأطفال

مارس 23, 2024

أحمد فضل شبلول والمختارات الشعرية للأطفال

بقلم: محمود يسري

        صدر مع العدد ( 236 ) من مجلة العربي الصغير كتاب هدية بعنوان ( هل أنا كنت طفلًا ؟ مختارات شعرية ) للكاتب المبدع أحمد فضل شبلول ورسوم الفنان الرائع مجدي نجيب .

       وأحمد فضل شبلول كاتب وصحفي وناقد وشاعر مصري من مواليد عام 1953 . صدر له العديد من الأشعار والقصص للأطفال ، وحاز على جوائز عديدة ؛ منها جائزة الدولة التشجيعية في مجال الأدب عام 2008 م. عن ديوان للأطفال بعنوان ( أشجار الشارع أخواتي ) ، وله من الكتب ( الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوظ ) ، و رواية ( الماء العاشق ) ، و ( تكنولوجيا أدب الأطفال ) ، وغيرها .

        وهو على ما يبدو – من متابعة إصداراته – أنه صاحب مشروع أدبي للأطفال يدأب على إنجازه ، وهذا أمر يحمد له .

        والكتاب عبارة عن مختارات شعرية تجمع ثلاثة عشر شاعرًا عربيًّا من شعراء العصر الحديث المعروفين . وتتنوع القصائد  – كما يقول الكاتب في المقدمة – بين الشعر الوطني أو القومي ، وشعر المقاومة ، وشعر الطبيعة ، والشعر الإنساني والعاطفي ، والتغني بأهمية الإنسان ، وأهمية زرع الأمل والطموح والإرادة في نفوس الشباب العربي .

        لقد ضم الكتاب مقاطع شعرية مجتزأة من قصائد لأبي القاسم الشابي ( من تونس ) ، وأحمد الجنيد ( من اليمن)، وأحمد السقاف ( من الكويت ) ، وأحمد رفيق المهدوي ( من ليبيا ) ، والمختار الشنقيطي ( من موريتانيا ) ، وأمل دنقل ( من مصر ) ، وبدر شاكر السياب ( من العراق ) ، وبشارة الخوري ( من لبنان ) ، و جيلي عبد الرحمن ( من السودان ) .

       ولقد اهتم الكاتب بتقديم لمحة عن كل شاعر وحياته للتعريف به ، وأتبع هذا بمقطع مجتزأ من قصيدة له ،

و ذيَّل المقطع بمعاني المفردات التي وردت به و التي قد تصعب على القراء الصغار .

       وفق الكاتب في اختياراته من حيث أسماء الشعراء ، أو المقاطع  الشعرية ، والمضامين التي اختار على أساسها ، لكن المقاطع جاءت قصيرة جدًّا ؛ لا تشبع رغبة من يقرأ حبًّا للشعر .

وثمة بعض الملاحظات :

  • ليت الكتاب كان يتسع لاستيعاب عدد آخر من الشعراء في بقية الأقطار العربية ؛ إذ لم يشتمل على قصيدة لشاعر من سورية ؛ فكيف يمكن تجاهل سليمان العيسى أو عمر أبي ريشة ، و كذلك سقط من حسابه شعراء الأردن ، و المغرب ، و عُمان ، وقطر ، والإمارات ، والصومال .
  • لم يحدد مرحلة عمرية يوجه إليها الكتاب .
  • لم يذكر عنوان القصيدة المجتزأ منها المقطع المقدم ، ولا عنوان الديوان الذي يتضمنها . ولقد كان يفضل ذكر ذلك ؛ فلربما يستطيع القراء الصغار الرجوع إلى الدواوين والقصائد للاطلاع عليها .
  • لقد اتخذ الكاتب عنوانًا للكتاب ( هل أنا كنت طفلًا ؟ ) من المقطع المختار من قصيدة الشاعر أمل دنقل ، لكن المقطع ذاته هو الاختيار الوحيد الذي لم يوفق الكاتب في اختياره .

يقول :

” هل أنا كنت طفلًا

أم أن الذي كان طفلًا سواي ؟

هذه الصورة العائلية :

كان أبي جالسًا

وأنا واقف .. تتدلى يداي “

       إن المعنى في هذا المقطع يبدو غامضًا ؛ إذ لن يفصح عن دلالته إلا من خلال التداعيات التي تليه ؛ وهو مجتزأ من مطلع قصيدة ( الجنوبي )  ؛ آخر قصيدة كتبها أمل دنقل . والقصيدة تكاد تكون رثاء الشاعر لنفسه قبل موته . وفيها يتذكر الشاعر تداعيات من ماضيه .

        يقول الدكتور جابر عصفور المفكر والناقد الكبير : ” ودالة تكرار الفعل ( أتذكر ) في مسار التداعي يأتي مصحوبًا بسؤال الهوية عن العلاقة بين الطفل وما انتهى إليه ، أو ما قادته إليه الأيام التي قد تؤدي إلى تغيير الملامح والسمات ؛ فيتباعد المظهر عن الجوهر ، لكن يبقى الطفل كامنًا كمون الجوهر ، أو كمون الملامح ذات العذوبة التي تختلف عن مظهرها الذي يبدو غريبًا عنها ” ( مجلة العربي ، عدد سبتمبر 2008 ) .

        وأتساءل هل من المناسب طرح هذا التساؤل الوجودي ( الأنطولوجي ) الفلسفي ، وكذلك ما تضمنته القصيدة من مضامين للأطفال ؟ والإجابة ستكون النفي بالتأكيد !

        ويترتب على هذا عدم توفيق الكاتب في اختيار عنوان الكتاب أيضًا ؛ فيبدو أنه اتخذه من ظاهره ، كما أنه اجتزأ المقطع دون قراءة القصيدة كاملة .

  • في شرح معاني الكلمات :

في المقطع المجتزأ من قصيدة أبي القاسم الشابي ؛ كلمة ( الشِّعاب ) التي هي جمع ( شِعب ) كُتبت

( شَعب) بفتح الشين ، وأظنه خطأ طباعيًّا لا يُسأل عنه الكاتب .

و في المقطع المجتزأ من قصيدة الشاعر السوري نزار قباني ؛ جاء شرح كلمة ( تختي ) كالتالي : ” التختة هي طاولة التلميذ في الفصل ” . الشاعر هنا يقصد ( التخت ) ؛ لا التختة . وفي المعجم الوسيط : ” التخت : مكان مرتفع للجلوس أو النوم”. والمقصود هو المكان المرتفع للنوم ؛ أي السرير . و في سورية يطلقون على السرير ( التخت ) .

وفي المقطع ذاته جاء شرح كلمة ( الليلك ) : ” زهرة جميلة ، ويقال لها زهرة الجمال . ويقصد الشاعر أن تلك الزهرة الجميلة تشبه كرسي العرش على شباك الجارة ” . وهذا الشرح جاء بخلاف ما يقصده الشاعر . أما ما يقصده الشاعر – في تصوري – ب ( ليلكة معرشة ) أن شجرة الليلك قد عرشت على شباك الجارة ؛ أي ارتفعت أغصانها عليه .

***

 

       أما الرسوم ؛ فلقد أبدع الفنان القدير مجدي نجيب الشاعر والرسام – صاحب الباع الطويل في رسوم الأطفال – أيما إبداع ؛ فهو صاحب الأسلوب المتميز الذي لا يشبه أي فنان آخر ، والذي يجمع بين الأصالة والمعاصرة . ولقد جاءت الرسوم  معبرة وجذابة ؛ من حيث العناصر المستخدمة أو باليتة الألوان البديعة المبهجة ، أو تكوين اللوحات المتوازن .

***

     وأهيب بالناشرين أن يهتموا بنشر الشعر ، وأن يفسحوا له مساحة بين إصداراتهم ؛ لما له من أهمية قصوى في تكوين ذائقة الأطفال ، وتنمية الخيال لديهم ، والارتفاع بمستوى لغتهم .     

  و ما كان لكتاب اليوم ( هل أنا كنت طفلًا ؟) أن يقتصر على هذه الصفحات القليلة ؛ ما جعل الكاتب يقتصر في اختياراته على عدة أسطر لا تغني ولا تفي بالفائدة المرجوة ؛ بل كان الأجدر أن تختار قصائد كاملة ، أو حتى تكون الاجتزاءات وافية ومشبعة .