محاكمة طيور بريئة وتصحيح مفاهيم سائدة
بقلم: محمود يسري حلمي
صدرت عن المركز القومي لثقافة الطفل قصة ( محاكمة طيور بريئة ) للكاتب إيهاب القسطاوي، ورسوم آيات حسني .
وفي القصة يتقدم الثعلب بشكوى إلى ملك الغابة ضد الغراب والبومة وأبو قردان ؛ يطالب فيها بإبعادهم من الغابة ؛ لأنهم يضرب بهم المثل في الشؤم والخراب وقبح الصورة والصوت ، ولأنهم يسيئون ويشوهون سمعة الغابة لدى بني الإنسان .
يدعو الملك الحيوانات جميعًا إلى اجتماع للنظر في الشكوى وعقد محاكمة لإظهار الحقيقة ، ويقرر أن يكون القرد هو القاضي لما يتمتع به من ذكاء وحنكة وحسن تدبير .
وأثناء المحاكمة ؛ يدفع الغراب عن نفسه التهمة بأنه كُرِّم ، وجاء ذكره في جميع الرسالات السماوية ، وقد جاء ذكره في القرآن الكريم في قصة قابيل وهابيل ، وفي الكتاب المقدس في سفر التكوين ، كما أنه من الطيور الصديقة للفلاح ؛ إذ يتغذى على الآفات والحشرات .
أما البومة ؛ فقد دافعت عن نفسها قائلة إنها تتغذى على القوارض والحشرات وتمنع الأضرار التي تسببها لبعض المحاصيل الزراعية ، وتساعد في منع الوبئة ، كما ذكرت أن جدتها البومة
( تاووكت ) تحظى بأهمية كبرى لدى قدماء المصريين ؛ حيث كانوا يعتقدون أن روح المتوفى تحل ليلًا في طائر البوم، وأصبحت رمزًا للحكمة والذكاء .
وكان دفع أبو قردان بأنه يسدي للبيئة الزراعية خدمات جليلة ؛ حيث يتغذى على كل ما يعتبر آفة تضر بالزرع ، ولذلك أحبه الفلاح المصري ورحب به في حقوله الخضراء ، وأطلق عليه لقب ( صديق الفلاح ) .
وفي النهاية يحكم القرد ببراءتهم جميعًا من التهم المنسوبة لهم ، وبرد الاعتبار إليهم ، وأن على بني الإنسان ألا يضعوا مسئولية أخطائهم على طيور بريئة لا ذنب لها في الخراب والدمار ؛ متناسين أنهم السبب الرئيسي في التلوث البيئي الناتج من الضوضاء والضوء والإشعاع والحرارة والتلوث البلاستيكي والخراب الناتج من الحروب .
ولقد وفق الكاتب في عدة أمور :
أولًا : جاءت صياغة القصة في لغة سلسة تتوافق مع المرحلة العمرية الموجهة لها ومعجمها اللغوي، كما تميزت ببساطة الصياغة .
ثانيًا : تضمنت القصة بعض المعلومات عن الطيور الثلاثة موضوع القصة بما يثري الرصيد العلمي ومعلومات الأطفال .
ثالثًا : الفكرة جيدة وتصحح مفاهيم راسخة في الأذهان ؛بحيث صارت ثوابت عقيدية لدى الأغلبية من عامة الناس ؛ وهي لا تستند إلى أي أساس من الصحة ؛ بل هي نوع من الخرافات المتوارثة .
رابعًا : أرجع الكاتب مسئولية الأخطاء في الاعتقاد إلى البشر أنفسهم ، وأنهم السبب الرئيسي في التلوث البيئي الناتج من الضوضاء والضوء والإشعاع والحرارة والتلوث البلاستيكي والخراب الناتج من الحروب . وقد أصاب في هذا وكان موفقًا جدًّا .
وهناك بعض الملاحظات الفنية على إخراج الكتاب :
- القطع مناسب وموفق من حيث الملاءمة للمرحلة العمرية وحجم القصة وطبيعتها .
- الرسوم مناسبة وقد وفقت الرسامة في التعبير عن عناصر القصة واستخدام الألوان ومراعاة النسب ، كما أن التكوين في الصفحة المطبوعة جاء متوازنًا ومراعيًا الفراغات والمساحات اللونية ، ومتوافقًا مع المساحات التي يشغلها النص ؛ بما يريح عين القارئ ويتيح قراءة ممتعة.
- استخدام نوع الخط لم يكن موفقًا تمامًا ؛ فالمفضل في كتب الأطفال استخدام الخطوط التي تتسم بروح الخط العربي والابتعاد عن الخطوط المستحدثة بأجهزة الكمبيوتر ؛ حتى يعتاد الأطفال أشكال الخطوط العربية التقليدية ، ويستوعبوا جمالياتها ؛ تأكيدًا على الأصالة الثقافية والحضارية في شخصية الأطفال العرب .
- كان ينبغي الاهتمام بتشكيل وضبط الكلمات في النص ؛ فالمرحلة العمرية الموجه إليها الكتاب تحتاج بالضرورة إلى هذا ؛ لتسهيل عملية القراءة ومساعدة الأطفال على أن يقرأوا قراءة صحيحة .
- في النهاية أوجه التحية إلى الكاتب إيهاب القسطاوي على نصه المدهش ، وإلى الفنانة آيات حسني على رسومها الجميلة ، وإلى الأستاذ محمد عبد الحافظ ناصف وكتيبة العاملين في المركز القومي لثقافة الطفل على الجهود المخلصة في خدمة ورقي الأطفال المصريين .