محمود يسري حلمي يكتب: الكتاب في ورقة (فكرة مبتكرة)

مارس 14, 2024

الكتاب في ورقة ( فكرة مبتكرة)

بقلم : محمود يسري حلمي

     أطفالنا عازفون عن القراءة ويرغبون عنها إلى مجالات أخرى. إن إيقاع العصر الذي يعيشون فيه لا يعرف الرتابة ويتسارع بطريقة مربكة تؤثر في التوازن النفسي والذهني للأشخاص، ويجعلهم متسرعين يلهثون في كل تحركاتهم وشتى جوانب حياتهم، ويتملكهم الملل من الركون إلى السكينة والهدوء. وبالتالي تكون القراءة عملًا مملًّا لا يثير المشاعر ، وتجتذبهم وسائل أخرى أكثر إثارة من خلال التأثير البصري والإيقاع السريع والمتنوع . فالتلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي بتنوعاتها تكون أكثر إثارة واجتذابًا للكبار والصغار على حد سواء؛ مما يجعلهم شغوفين بها.

      هكذا تراجعت القراءة ، وصارت من آخر أولويات الجميع ؛ وبخاصة الصغار . وليس إيقاع العصر ووسائل الجذب البصري السبب في هذا العزوف عن القراءة فقط؛ بل إن مستوى ما يقدم من الكتب يعد سببًا أساسيًّا لهذا العزوف. إن معظم ما يقدم للأطفال من الكتب ليس على مستوى الجودة المطلوبة في كتاب الأطفال؛ من حيث الأفكار والصياغة واللغة والرسوم والإخراج والطباعة . لهذا لا تكون هذه الكتب جاذبة للأطفال؛ مما يجعلهم ينفرون منها ، ويعزفون عن قراءتها .

      إنه مأزق وعر وشديد الخطورة ؛ يهدد المستقبل تهديدًا شديدًا . إن الجيل الذي لا يقرأ سيكون عديم الثقافة ؛ وبالتالي يسقط في هوة التفاهة والضحالة الفكرية، ولا يستطيع النهوض بحياة سليمة وحقيقية.

      ومن هنا لزم على كتاب وكاتبات الأطفال أن يجدوا سبيلًا يعيد الأطفال للقراءة ويجتذبهم إليها ؛ فيرغبوا فيها ولا ينصرفوا عنها . و مما يسهم في تحقيق هذا ابتكار أشكال جديدة للكتب تكون جاذبة ومثيرة للخيال .

      وحسنًا فعل كاتب الأطفال صابر حسين خليل، عندما قدم شكلًا مبتكرًا من الكتب للأطفال. إنه يقدم الكتاب في ورقة واحدة. ولقد استخدم هذا الشكل في تقديم مجموعة من القصص القصيرة للأطفال عددها أربع وعشرون قصة؛ في مجموعتين كل منها اثنتي عشرة قصة. تشتمل إحدى صفحات الورقة على عنوان القصة ، واسمي المؤلف والرسام، ولوجو دار النشر التي صدرت عنها . والوجه الآخر للورقة يشتمل على نص ورسم القصة .

      الكاتب صابر حسين أصدر من قبل للأطفال: سرنا الصغير، إنهم يسرقون الأفكار، وصانع الأحلام ، وشجرة المانجو ، واختفاء الحروف، و سمسمة السجينة. وله في مجال التأليف المسرحي للأطفال مسرحيات : الصندوق، وبائع الأحلام، والبحث عن أبلة فضيلة ، ومفيش مكان، ومسرحية الاختبار لذوي القدرات الخاصة. ولقد فاز الكاتب بعدة جوائز ، كما أن له العديد من الأنشطة والمساهمات في مجال ثقافة الأطفال.

      إن هذا النوع من الإصدارات يصلح للمرحلة العمرية المبكرة، وفيها لا يستطيع الأطفال القراءة بأنفسهم؛ إنما يمكن أن يقرأ لهم الآباء والأمهات والإخوة والأخوات الأكبر ومشرفات رياض الأطفال ، كما يمكن انتظامهم في ورش أو جلسات حكي تقرأ لهم القصص، وتتبع القراءة مناقشات وحوارات تنمي قدرات الحوار ومهارات التفكير النقدي مبكرًا؛ باستعراض استجاباتهم ودرجات تلقيهم لأفكار القصص والرسوم المصاحبة لها. والملاحظ أن القصص لم تشتمل أغلفتها على تحديد المرحلة العمرية؛ وهذا ما يجب مراعاته في الإصدارات اللاحقة .

      تضمنت القصص عددًا من الأفكار؛  تدور حول الحث على النظافة، و أهمية النشاط و نفض الكسل، وأهمية التعاون ومساندة الآخرين، والتمسك بالأمل، وأهمية التعلم من الغير وحتى الكائنات الأخرى، وأهمية القراءة، والإيثار والبعد عن الغيرة والأنانية، وضرورة التغلب على الصعوبات وعدم الخوف، وغيرها من الأفكار التي اعتاد كتاب وكاتبات الأطفال طرحها والتركيز عليها فيما يقدمون لهذه المرحلة العمرية.

     لقد استعمل الكاتب لغة بسيطة مباشرة؛ لأن القصة موجهة إلى مرحلة عمرية مبكرة، كما أن عدد كلماتها في نحو مئتي كلمة؛ فاستغنى عن الوصف للشخصيات والعناصر المتضمنة فيها ، وجاءت الأحداث في تنام منطقي دون خوض في سرد استطرادي مفصل . ومع هذا لم تخل النصوص من بعض الهنات اللغوية أو النحوية أو الطباعية، أو التحريرية فيما يخص الصياغة، وهذه يُسأل عنها محرر الدار أو المدقق اللغوي، والكاتب عن بعضها؛ حيث إنه متخصص في اللغة العربية .

      ولأن الكتاب الموجه للأطفال يجب أن تتوافر فيه كل عناصر الإجادة والإتقان؛ وجب أن ننبه إلى بعض الملاحظات على بعض القصص:

  • ( مايا والمشط ) : جاءت كلمة ( المشط ) في العنوان مشكولة بكسر الميم ؛ في حين صحتها أن تكون مضمومة ( المُشط ) .

( المقص ) :  جملة ” قيمة المقص يا صديقي في ارتباط طرفيه سويًّا ” ؛ وصحتها ” في ارتباط طرفيه معًا ” .

( الإبريق والطوب الصغير ) : ” نادى الإبريق على الكوب الصغير ” ؛ الفعل

( نادى ) لا يتعدى بحرف جر ؛ فنقول : نادى الإبريقُ الكوبَ .

ونجد كلمة ( فرحان ) مضبوطة بتنوين النون ؛ في حين أن الصفة على وزن

( فعلان ) الذي مؤنثه ( فَعْلى ) ممنوعة من الصرف .

( مها و ماهي ) : ” وهي بذراع واحد ” ؛ صحتها ” بذراع واحدة ” ؛ فالذراع مؤنثة.

( الورقة المغرورة ) : الورقة تكون في أغصان الشجرة لا فوقها .

( المروحة ) : جاء العنوان وعلى الميم فتحة ؛ في حين يجب أن تكون مكسورة؛ لأنها اسم آلة على وزن (مِفْعَلة ) ؛ في حين أن ( المروحة ) بفتح الميم تعني في المعجم : الصحراء أو مهب الريح وممرها .

وكذلك جاء تشكيل كلمتي ( الحب ) و( كل ) مشكولًا بالفتحة فقط ؛ في حين يجب أن يكتمل بوضع الشدة أيضًا : ( الحبَّ ) ، و( كلَّ ) . وفي الصياغة ” لو قمنا بتشغيل ” ؛ لماذا نزيد فعلًا على الفعل الأساس ؟  ، ولماذا لا نقول ( شغَّلنا ) ؟

( جمال الكاذب ) : بدأ الكاتب بجملة ” إنه جمال طفل صغير ” ؛ دون أي داع للتأكيد ب ( إنه ) . وفي جملة ” لا يقول الحقيقة أبدًا ” ؛ يجب استعمال
( قط) بدلًا من ( أبدًا ) .
وفي جملة ” قالوا : كنت بالأمس جمالًا الكاذب ” ؛ جاءت تاء الخطاب مضمومة، في حين يجب أن تكون مفتوحة لتتميز عن تاء المتكلم .
وفي نهاية القصة ؛ لم ينتبه الكاتب إلى أنه جعل جمالًا الكاذب جمالًا الكاتب الذي أحبه الأطفال ؛ دون أن يشير إلى تحوله عن الكذب ؛ بما يرسخ في أذهان الأطفال ارتباط الكتابة بالكذب .

     سأكتفي بهذا القدر من الملاحظات لعدم الإطالة  ؛ مع العلم بأن صفحة واحدة لا تخلو من خطأ . وأهيب بكل من يتصدى للعمل في مجال كتب الأطفال توخي الدقة والإتقان ؛ لأن الأخطاء ترسخ في ذهن الأطفال و يعتادونها ؛ في حين نشكو من ضعف المستوى اللغوي الذي صار عليه حالهم؛ لأسباب عديدة لا يجب أن نضيف إليها أسبابًا نكون مسئولين عنها؛ إذ يكفيهم الموجود من الأسباب المطلوب تداركها ومعالجتها .

     ومما يلفت الانتباه دأب الكاتب واهتمامه بابتكار أشكال جديدة مستحدثة في مجال نشر كتب الأطفال ؛ فهو بعد هذه التجربة سيصدر قصصًا مطبوعة على أغلفة الكراريس المدرسية لتلاميذ المدارس . إنها فكرة جيدة ستروج القصص وتشجع الأطفال على قراءتها ؛ إذ إنها ستكون ملازمة لهم وملتصقة بهم في يومهم الدراسي وحتى في المنازل عند أداء واجباتهم المنزلية . وسيكون فضول التعرف على مضامين هذه القصص من خلال الرسوم الجاذبة لأنظارهم والطباعة الأنيقة التي أرجو أن تكون عليها .

      لزمت التحية والإشادة بالكاتب صابر حسين خليل المهموم بتثقيف أطفالنا والحريص على ابتكار أشكال جديدة وغير تقليدية لكتب الأطفال . وكذلك تحية للفنان أيمن القاضي و الفنانة آلاء مرتيني اللذين أبدعا رسومًا جاذبة ومحببة للقراء من الأطفال.

       ولا يفوتنا الإشادة بدار شان للنشر التي تحمست للفكرة وتصدت للنشر في تجربة غير مسبوقة ؛ فتحية لها و إلى مزيد من الأعمال الناجحة والمميزة والمبتكرة ؛ فما أحوج أطفالنا إلى أن نبتكر ونبدع لهم أنماطًا ووسائل جديدة للارتقاء بمستوى وعيهم وأذواقهم وتنمية معارفهم !