كسر الإيهام ووظائفه في مسرح الطفل عند السيد حافظ

أكتوبر 22, 2025

بقلم/ د/ علي خليفة

التغريب أو كسر الإيهام يعني إشعار المتلقي أن ما يراه على خشبة المسرح هو تمثيل؛ وبهذا فإن كسر الإيهام يدعو المتلقي لعدم الاندماج الكامل مع ذلك النوع من المسرحيات التي فيها تلك التقنية؛ وذلك من أجل أن يكون ذهن المتلقي نشيطًا في الحكم على القضايا التي تُطرح في هذه المسرحيات.

ويشكل الإسراف في توظيف التغريب في مسرح الطفل خطورة كبيرة على تفاعل الأطفال مع هذه النوعية من المسرحيات؛ لأن الأطفال بطبيعتهم يميلون للاندماج مع الأحداث التي تعرض لهم في مسرح الطفل، في حين أن كسر الإيهام المتواصل في المسرحية الموجهة لهم يفقدهم الاندماج، ويجعلهم لا يشعرون بمتعة التشويق والإثارة في هذه المسرحيات.

في حين أن توظيف قدر من التغريب أو كسر الإيهام في مسرح الطفل يعد جيدًا ومثيرًا للأطفال، لو وضع في مكانه في المسرحية، ولم يقم بإلغاء اندماج الأطفال وتفاعلهم معها، بل إنه يعمل على زيادة حيوية تواصلهم بها، وتفاعلهم معها.

وقد اهتم كاتبنا الكبير السيد حافظ بتوظيف التغريب أو كسر الإيهام قي كثير من مسرحياته للطفل، وهو – في أكثر هذه المسرحيات – تغريب جزئي؛ لأنه لا يمنع تواصل الأطفال مع أحداث هذه المسرحيات، واندماجهم معها.

وهناك وظائف متنوعة لاستخدام السيد حافظ كسر الإيهام في مسرحياته للطفل، ومنها رغبته في تفاعل الأطفال المتلقين لهذه المسرحيات مع الممثلين الذين يمثلونها؛ ولهذا نرى بعض الشخصيات تقوم بكسر الإيهام في بعض مواضع بمسرحيات السيد حافظ؛ لتزيد من حيوية تواصل الأطفال المتلقين لهذه المسرحيات مع الممثلين فيها عند عرضها.

ولا شك أن السيد حافظ في ميله لكسر الإيهام في مسرحياته للطفل بغرض تواصل الأطفال المتلقين لها معها جاء من وعيه كمخرج بأهمية وجود ذلك التواصل.

وغالبًا ما يكون كسر الإيهام من بعض الشخصيات في مسرحيات السيد حافظ للطفل نوعًا من الارتجال المكتوب، فكأن المؤلف بهذا يسهل على الممثلين الذين سيقومون بتمثيل هذه المسرحيات بكتابة بعض الحوارات التي يمكن أن يكسروا بها الإيهام، ويوجهوها للجمهور من الأطفال، فيعمل ذلك على حيوية متابعتهم لها، وعلى بث الكوميديا فيها، ونرى أمثلة لذلك في مسرحية قميص السعادة، ومسرحية سندريلا.

وأيضًا يوظف السيد حافظ كسر الإيهام في بعض مسرحياته للطفل من أجل أن يركز الأطفال على مواضع معينة في هذه المسرحيات، وغالبًا ما يقوم بعض الشخصيات فيها بتوجيه أسئلتهم للجمهور؛ ليكون له دور في تعليقه على هذه المواقف المهمة في هذه المسرحيات، كما نرى مثالًا على ذلك في مسرحية الأميرة حب الرمان وخيزران.

ونرى أيضًا كسر الإيهام في بعض مسرحيات السيد حافظ للطفل بغرض توجيه الأطفال المتلقين لقضية كبرى تعرضها المسرحية، وترك خاتمتها مفتوحة؛ ليكون لهم دور في عرض رؤيتهم لهذه القضية، وكيفية إيجاد الحلول لها، كما نرى ذلك في ختام مسرحية سندس، ففي نهايتها نرى سندس توجه حوارها للجمهور، وتطلب إليه أن يبحث عن حل لقضيتها العادلة.

وكذلك نرى السيد حافظ يستخدم كسر الإيهام في بعض مسرحياته للطفل بغرض إشعار المتلقين من الأطفال أن ما سيشاهدونه هو مجرد تمثيل، وأنه عليهم أن يكون لهم موقف من القضايا التي ستطرح فيها، وقد ذكرت أن هذا الشكل الذي يعتمد على التغريب الكامل غير مناسب في مسرح الطفل؛ لأنه يفقد الأطفال متعة اندماجهم مع هذه المسرحيات، وقد وظف السيد حافظ كسر الإيهام بهذا الغرض في مسرحية قطر الندى، والحقيقة أنني لم أر أي داع لوجود كسر الإيهام بهذا الشكل الكامل في هذه المسرحية، خاصة أن أحداثها تدور في أجواء من السحر والخيال غير المنضبط.

وأخيرًا، فإن السيد حافظ يوظف كسر الإيهام في بعض مسرحياته للطفل بغرض إيجاد نوع من سرعة الإيقاع فيها في تتابع مناظرها، فنرى الممثلين يحملون على أيديهم على المسرح قطع الديكور المعبرة عن المناظر مع بداية كل منظر، ويخرجونها مع نهايته، وهذه الطريقة تناسب الديكورات البسيطة، والمسرحيات التي تتعدد المناظر بها، وقد ذكر السيد حافظ هذه الطريقة في بعض مسرحياته للطفل في إرشاداته المسرحية بها، كما نرى ذلك في مسرحية حمدان ومشمشة، ويدل ذلك على حضور شخصية المخرج على شخصية المؤلف حين كتابة السيد حافظ بعض مسرحياته للطفل، فكان يرى أن مثل هذه المسرحيات التي تتعدد المناظر فيها تحتاج لطريقة مثل تلك التي قام بها في كسر الإيهام في هذه المسرحيات.

وهكذا رأينا أن التغريب – أو كسر الإيهام – ظاهرة واضحة في مسرحيات السيد حافظ للطفل، وأنه استخدمها – في الغالب – بالشكل الذي لا يعوق اندماج الأطفال مع هذه المسرحيات، بل يقوي تفاعل الأطفال معها، خاصة عند عرضها على خشبة المسرح.