الاهتمام بثقافة الطفل.. وفق استراتجيات طويلة المدى..!!
بقلم: عبده الزرّاع
لازال يُنظر إلى الطفل في وطننا العربي الكبير علي أنه شئ عابر في حياتنا، رغم ما وصل إليه العالم من تطور علمي وتكنولوجي، أسهما بشكل فاعل في تثقيف الطفل وتطوير طرق تفكيره، وإعمال عقله وإطلاق خياله، فلو أخلصنا النويا، وعملنا وفق منهج علمي سليم، وخطط استراتيجية طويلة المدى تنفذ من خلال المؤسسات الحكومية والأهلية، ممن تعمل في هذا المجال، لكان للطفل العربي شأن آخر، وفي رأيي أنه لا يمكن النهوض بالطفولة في مجتمعاتنا العربية إلا من خلال خطط واستراتيجيات مشتركة بين عدة وزارت يقع علي عاتقها عبء كبير، مثل: وزارة التعليم التي يقع عليها المسؤلية الأكبر، باعتبارها المؤسسة العلمية والتربوية التي تحتضن الطفل منذ بواكير عمره، ويظل بها سنوات طويلة، ثانيها: وزارة الإعلام فدورها توعوي مهم خاصة من خلال الإذاعة والتليفزيون بقنواته المختلفة من حكومية وخاصة، والذي لا زال قاصرا فيما يقدمه للطفل العربي مما أدي لعدم اشباع رغباته وتعطشه للثقافة والإبداع، وأن البرامج الخاصة بالطفل برامج في مجملها عقيمة ولا تتناسب بحال مع عقل وتفكير وخيال طفل اليوم، فأين البرنامج الجاد الذى يحرك خياله ووجدانه، وينمي تفكيره ويوسع مداركه، إلا فيما ندر؟، وأين دراما الأطفال التي ليس لها وجود في التليفزيون المصري ولا العربي؟ والعجيب في الأمر أن المسلسلات المصرية التي كانت تنتجها صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات، وقطاع الإنتاج بالتليفزيون المصري حتي تسعينيات القرن الماضي، توقفا تمامًا عن الإنتاج، بعدما كان ينتجا بعض المسلسلات القليلة لتتلقفها القنوات الفضائية العربية وتقوم بعرضها، ويستفيد منها الأطفال في العالم العربي كله، ناهيك عن عزوف نجوم الفن والأدب من ممثلين ومخرجين، وكتاب، عن العمل في مجال دراما الأطفال، لما يقع عليهم من ظلم، فمازال ينظر إلى هذه الدراما على أنها أعمال قليلة القيمة تقدم إلى حفنة من الصغار، لذا تدنت أجور من يعملون في هذا المجال لتصل لأقل من ربع أجورهم في مجال الدراما التليفزيونية للكبار، فلماذا إذن يرهقون أنفسهم دون طائل معنوي ولا مادي مجز؟ وأين فيلم الطفل العربي؟ فحتى الآن لم يكن لدينا فليمًا عربيًا للأطفال ينافس أفلام الأطفال العالمية، رغم أنه كان يقام في مصر، وعلى مدار سنوات طويلة المهرجان الدولي لسينما الأطفال والذي كان من أهم مهرجانات سينما الأطفال في العالم، ولكن للأسف توقف ونتمنى أن يعود من جديد في السنوات المقبلة، في حين نجد “دولة مثل الهند مثلاً بها منذ أكثر من (50) عاما هيئة عامة مخصصة لإنتاج أفلام الأطفال، ونحن هنا نشكو بصفة مستمرة من عدم وجود فيلم للطفل العربي، ذو الموضوع القريب والمناسب لأطفالنا، والمستمد من بيئتنا، ونعتقد أنه ليس كثيرًا في سبيل بناء طفلنا المصري والعربي، أن نخطو خطوة مشابهة لما قامت به الهند، وننشئ وحدة متخصصة، بميزانية مستقلة لإنتاج أفلام للأطفال، إن مثل هذه الأفلام ستجد طلبًا شديدًا عليها من تليفزيونات العالم العربي، من وزارات التعليم، ومن دور رياض الأطفال المخصصة للسن الأكبر من أربع سنوات، ولنوادي الأطفال والطلائع، وذلك على مستوى الوطن العربي كله” وأين أفلام الكارتون العربية؟ فمازلنا حتى الآن لا نستطيع إقامة صناعة لأفلام الكارتون بتقنية عالية كي تنافس المنتج العالمي الذي يباع بأسعار زهيدة مقارنة بتكلفة إنتاجه الباهظة، وخاصة مؤسسة والت ديزني التي أغرقت الأسواق العربية بمنتجها الراقي والمبهر من تلك الأفلام التي تخلب عقول الكبار والصغار، وتتمثل عقبات هذه الصناعة في بلادنا العربية في عدة أسباب، أولها: التكلفة المادية العالية التي يتكلفها إنتاج هذا الفن، ويحتاج إلي مؤسسات الدول الثقافية والإعلامية لتتبناها وفق خططا طموحة معدة ومدروسة سلفا من قبل متخصصين وخبراء في هذا المجال، ثانيها: عدم دعم هذه الصناعة من قبل الدول العربية بشكل كاف، مما أدى إلى إنصراف أطفالنا إلى الكارتون المستورد الذي يأتي إلينا من أوربا وأمريكا بأسعار زهيدة، رغم جودته، وتقنيته العالية في الإبهار، إلا أن له أخطار وآثار جانبية في غاية الخطورة، لما ينطوي عليه من عنف، ومكر، وخديعة، وغيرها من القيم السلبية، وفي هذا الإطار نورد نتائج دراسة قام بها التليفزيون المصري، باستخدام صحيفة استقصاء على 960 طفلا في 16 مدرسة ابتدائية بمدينة القاهرة، ومدينة بالوجه البحري، وأخري بالوجه القبلي، وقد توصلت هذه الدراسة إلى: أن أهم المناظر التي تثير خوف الأطفال، هو الشخص الذي يضرب شخصًا آخر أو مجموعة أشخاص بخنجر أو سكين (42 في المئة)، والضرب بالمسدس ( 2,33 في المئة)، ومناظر الجريمة التي تحدث بدون تحديد لملامح الصورة (8,24 في المئة)، وهذه الأفلام المستوردة تحتوي على الكثير من هذه المشاهد التي وردت في هذه الدراسة، علاوة على أن هذه الأفلام تكرس لثقافة الآخر التي لا تتفق بحال مع ثقافتنا الاسلامية وأخلاقنا وعاداتنا وتقاليدنا العربية، إذن هناك تقصير صارخ من وزارتي الثقافة والإعلام في التوجيه الصحيح والأصيل لأطفالنا، ثالثها: وزارة الشباب من خلال الاهتمام بالطلائع والأطفال، وإقامة ورش ومسابقات للكتابة والرسم، ومسابقة البرلمان الصغير، وغيرها من البرامج التثقيفية والتوعوية للأطفال، رابعها: وزارة الثقافة بكل قطاعاتها التي تعمل في مجال الطفولة، ففي مصر علي سبيل المثال، نجد : المجلس الأعلي للثقافة، ممثلاً في المركز القومي لثقافة الطفل، ولجنة ثقافة الطفل، وهيئة قصور الثقافة، ممثلة في القصور المتخصصة للطفل، والادارة العامة لثقافة الطفل، وأتوبيس الفن الجميل، ومجلة وكتاب قطر الندي، وهيئة الكتاب، ممثلة في سلاسل كتب الأطفال، وورش الكتابة والرسم والحكي التي تقيمها أثناء انعقاد معرض الكتاب الدولي، وهيئة المسرح، ممثلة في المسرح القومي للأطفال، ومسرح العرائس، كل هذه القطاعات في الوزارة تعمل في مجال ثقافة وفنون الطفل، وهي أنشطة كثيرة ومتنوعة تحسب لوزارة الثقافة المصرية التي لا تأل جهدًا في خدمة ثقافة الطفل، ولكن ينقص فقط أن يكون هناك تنسيق بين الوزارات المختلفة وفق خطط وبرامج واستراتجيات وبروتوكولات تعاون، لأصبح الطفل المصري في طليعة أطفال العالم.