
بقلم د/ علي خليفة
يمكن أن نقسم هذه المسرحية لقسمين؛ والقسم الأول منها فيه مسحة تأملية وفكرية، وفي هذا القسم يظهر الشمبانزي منزعجا من الحياة في الغابة؛ لكثرة الصراعات بين الحيوانات فيها، وما نتج عن ذلك من موت أعداد كثير منها، لا سيما من المقربين منه، ولا يكتفي هذا الشمبانزي بتأمله لعالم الغابة الذي يتصف في عمومه بالوحشية والصراعات والقتل والتدمير، ولكنه يوسع نظرته، فتشمل الإنسان أيضا، فيرى أنه أيضا يعيش في عالم ممتلئ بالحروب والدمار والخراب.
ويفكر هذا الشمبانزي فيما يجب عليه فعله لمواجهة ذلك العالم الممتلئ بالصراعات والحروب والدمار والخراب؛ ويتساءل: هل يواجهه ويحاول إثبات نفسه فيه، ومقاومة شروره بالقوة، أو يعتزله ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وينتهي الشمبانزي من تفكيره في ذلك إلى أنه بحاجة لفترة يعتزل فيها حيوانات الغابة، ويعيش بين أسرته الصغيرة؛ حتى يتعرف على الكيفية المناسبة للعيش في عالم الغابة الممتلئ بالصراعات والحروب.
ويقوم الشمبانزي ببناء بيت كالحصن على قمة هضبة، ويعيش في هذا البيت مع أسرته الصغيرة بعض السنين، ويقرر أن يخرج منه مع ابنه الصغير؛ ليطلعه على الغابة، وليرى هو نفسه كيف حالها بعد أن انعزل عنها بعض السنوات.
وهذا القسم الذي فيه هذه الأحداث، ويغلب عليه حوار الشمبانزي الفكري لنفسه يشغل نحو ثلث هذه المسرحية، وأعتقد أنه مناسب أكثر لمسرح الكبار؛ لغلبة الحوار الذهني عليه، ولقلة الأحداث المثيرة فيه.
أما باقي هذه المسرحية فإننا نرى فيها حدثا مثيرا، وفيه إيقاع سريع، والحدث في هذا القسم من هذه المسرحية عن إعجاب ابن الشمبانزي الصغير بالغابة حين رؤيته لها لأول مرة، وقد رغب بمشاعر الطفولة في حب الامتلاك في أن تكون هذه الغابة له وحده، ولم يعجبه رد والده الشامبنزي حين قال له: إن هذه الغابة ملك لكل الحيوانات التي فيها.
وتصطدم رغبة ابن الشامبنزي الطفولية في امتلاك هذه الغابة برغبة الأسد ملك الغابة المتجبر الذي يعد هذه الغابة ملكا له، ومن حقه أن يأكل أي حيوان يطيب له أكله فيها، ويستغل هذا الأسد سوء تصرف ابن الشامبنزي معه حين رغب في امتلاك بيته الذي أعجبه، فقرر أن يأكله، وحاول الشامبنزي الأب مع الأسد أن يجعله يعفو عن ابنه ولا يأكله، ولكن الأسد رفض ذلك، وهنا قرر الشامبنزي أن يلجأ للحيلة؛ لينقذ ابنه من هذا الأسد المتجبر، فقال له: إنه لا يمانع في أكل ابنه، ولكنه يطلب إليه أن يذهب لوالدته؛ لتودعه قبل أكله له، ويوافق الأسد على ذلك، ويذهب ابن الشامبنزي برسالة لأمه من أبيه يخبرها فيها بأن تجعل كل أبناء أقاربه الصغار يأتون في بيته، ويلبسون مثل ابنه، ويسرع ابن الشمبانزي السير للبيت بهذه الرسالة.
وعندما يصل الأسد مع الشامبنزي لبيت الشامبنزي يثيره منظر صغار الشامبنزي، ويحدث نفسه عن رغبته في التهامهم جميعا، فيفكر في حيلة، وهي أن يعرض على الشامبنزي المراهنة من خلال قيامهما بلعبة، ولو فاز فيها الأسد يظفر بأكل كل هؤلاء الصغار من الشامبنزي، أما لو فاز فيها الشامبنزي فيكون من حقه أخذ شبل الأسد من أبيه الأسد، ويوافق الشامبنزي على ذلك؛ لأنه خطط لهذا الأمر، ويأتي للأسد برقعة الشطرنج، ويبدي الأسد معارضة لرغبته في لعبة الورق، ولكن الشامبنزي يقول للأسد: إن الشطرنج هو لعبة الملوك، وهنا يوافق الأسد على لعب الشطرنج مع الشامبنزي، ويفوز عليه الشامبنزي، ويشعر الأسد بحرج شديد؛ لخسارته، ولأنه مضطر للتنازل عن ابنه للشامبنزي ليقوم بقتله، ويصاب الأسد بشلل مفاجئ.
وعندما رأى الشامبنزي ما حدث للأسد هدأ من روعه، وأعاد له ابنه، وأخبره أنه لا يريد القتل والتدمير والاعتداء على الآخرين؛ ولهذا فإنه لن يمس صغيره بسوء، ويقول له أيضا في حضور شبله: إنه يعفو عنه حتى يعرف قيمة التسامح والمحبة حين يكبر ويصير ملكا، فلا يعتدي على أي حيوان بدون وجه حق.
وكما نرى فهذا القسم الثاني من هذه المسرحية مناسب جدا للأطفال، لا سيما أطفال مرحلة الطفولة المتوسطة، ففيه حكاية مثيرة، ودروس تربوية مهمة في التعريف بقيمة العفو والسلام، ونبذ الصراعات والحروب، وقد خلا هذا القسم – إلى حد كبير – من المسحة الفكرية والذهنية التي رأيناها في هذا القسم الأول من هذه المسرحية.