إن تعديلاً بسيطاً في نمط الحياة له بالغ الأثر في تحسين الحالة الصحية والمزاجية للأسرة المصرية
بقلم: د/ يسر كاظم
أستاذ التغذية الطبية
قسم التغذية – المركز القومي للبحوث
مما لا شك فيه أن هناك ظواهر اجتماعية وصحية كثيرة ظهرت خلال الأعوام العشر السابقة علي مستوي العالم تدل علي أن هناك خلل ما في الحالة الصحية للمخ البشري . ويتمثل هذا في أعراض مثل العصبية و المزاج الحاد والمزاج الاكتئابي وعدم القدرة علي التركيز والانتباه لمدة طويلة وضعف الذاكرة وانتشار مرض الالزهايمرهذا إلي جانب زيادة في صعوبات التعلم والمشاكل السلوكية المتعددة في الأطفال والمراهقين .
هناك الكثير من العوامل التي تساهم في تزايد هذه المشاكل والتي نبهت لها كثير من الهيئات الدولية وحذرت من الزيادة المستمرة لها و التي تمثل حالة لابد من البحث عن سبل لحلها كلٌ في تخصصه .
ومن ضمن هذه المسببات تغير نمط الحياة والتغيرات المناخية علي مستوي العالم كله حيث أصبح الإنسان يسير عكس الطبيعة .
هنالك كثير من الدراسات التي تربط كل هذه العوامل بمعدل نمو أو منع تحفيز ميلاد الخلايا العصبية وتجديد خلايا المخ وزيادة بلاستيكية المخ بتحفيز نمو الوصلات العصبية المتشعبة ما يسمي تحفيز ميلاد الخلايا العصبية داخل المخ .
ومن هنا نجد الحل … فقد ثبت أن إجراء بعض التغيرات الأساسية في نمط الحياة قد يساعد بصورة فاعلة في تحسين كثير من المشاكل التي هي نتيجة للممارسات الخاطئة والأنماط الحياتية الغير صحية التي تتعارض مع تحفيز ميلاد الخلايا العصبية للمخ.
يعتبر شهر رمضان فرصة حقيقية لتصحيح كثير من أنماط الحياة الغير صحية خاصة مع تغيير مواعيد الطعام والنوم والعمل والتعبد .
وقد ثبت علمياً أن التغيير في حد ذاته مهم جداً لتحفيز, واستمرار توالد الخلايا العصبية ونمو المخ فالتغير الصحي في نمط الطعام والنوم والحركة والعبادة وعقد نية الصوم بالتوجه لعمل الخير والتسامح والتوصية بالتزاور والتواصل مع الأسرة والعائلة كل ذلك في صميم معنى الصيام ورمضان والذي ثبت أن كل هذا من العوامل الأساسية لتحفيز ميلاد الخلايا العصبية في المخ مما ينتج عنه تحسن في كل وظائف المخ النفسية مثل الحالة المزاجية وأيضاً الوظائف الإدراكية مثل التركيز والانتباه والتعلم والذاكرة وفي هذا المقال نُجيب علي السؤال كيف نعدل نمط حياتنا في شهر رمضان لتحسين صحة المخ النفسية والإدراكية والتي تنعكس علي كل أبعاد حياتنا العملية والاجتماعية ؟
التغذية والنمط الغذائي
أولاً:
يعتبر الصوم في رمضان شكل من أشكال الصيام المتقطع الذي تم التوصية به كأسلوب غذائي يدعم ميلاد الخلايا العصبية ويحسن من وظائف المخ وله أهمية كبيرة في تحسن الجهاز المناعي وتقليل مقاومة الأنسولين وتطهير الجسم من السموم والخلايا السرطانية ولكي تتحقق الفائدة المرجوة من الصيام نوصي بالاعتدال في كميات الطعام بصفة عامة ونكثر من تناول الخضروات والفاكهة والبقوليات والزبادي والجبن الأبيض وتقليل الدهون المهدرجة مثل السمن الصناعي والزيوت الخليط أو استعمال نفس الزيت في القلي عده مرات وكذلك الإقلال من السكر والحلويات . كذلك نوصي باتباع نظام غذائي خالٍ من المواد المصنعة والصناعية مثل اللحوم و الجبن المطبوخ ومحاولة الاعتماد علي الطعام المصنع في المنزل والتقليل قدر المستطاع من الوجبات الجاهزة .
كذلك نوصي بعدم استعمال القلي كوسيلة للطهي ونستبدل ذلك بالشوي والسلق والطبخ {ني في ني} .
نوصي بإضافة التوابل عالية الجودة والتي تحفز نشاط المخ وخاصة الكركم والبابريكا والفلفل الأسود وحبة البركة والكسبرة والكمون لما تحتويه من عناصر مضادة للأكسدة التي تفيد الجسم بصفة عامة والمخ بصفة خاصة . أيضاً ثبت أن الشاي الأخضر والشيكولاتة الداكنة والتوت والفراولة الطازجة لهم فوائد صحية عديدة للمخ .
كذلك نوصي بتناول الزبادي المصنع منزلياً مع وجبه الفطور وأيضاً مع وجبة السحور لما تحتويه من بكتريا مفيدة ودهون وفيتامينات مهمه
من العوامل الهامة جداً أثناء تناول الطعام هو المضغ الجيد والأكل بهدوء وفي جو هاديء مما يتيح فرصة للجسم بالاسترخاء وهضم الطعام بصورة جيدة وعدم الإسراف في الكميات فالمضغ الجيد والهدوء في تناول الطعام يرسل إشارات للمخ بالشبع في التوقيت المناسب لمنع الإسراف في كميات الطعام.
.النوم من حيث التوقيت والجودة
من العوامل الأساسية لصحة الإنسان النوم الجيد عدد ساعات لا تقل عن سبع ساعات . وتعتبر دراسات النوم وأهميته علي صحة الإنسان من أهم المواضيع التي يتم تداولها في كثير من الأبحاث العلمية وخاصة بعد أن ثبت علمياً أن كثيراً من أمراض العصر هي بسبب قلة النوم أو النوم الغير جيد . وقد ذكرت كثير من الأبحاث أن معدل ساعات النوم علي مستوي العالم انخفض من 8 ساعات الي 6 ساعات يومياً مما ساهم في انتشار كثير من الأمراض المرتبطة بالمخ مثل الاكتئاب والعصبية والقلق وقلة التركيز وضعف الذاكرة وقلة القدرة علي التعلم . أيضاً كثير من الأمراض الباطنية مثل السكر والضغط والأمراض المناعية .
جدير بالذكر أن النوم مرتبط ارتباط وثيق بتحفيز ميلاد الخلايا العصبية ونمو المخ . ولذلك ينصح بالنوم عدد ساعات لا تقل عن 7 إلى 8 ساعات وفي جو هادئ ودرجة حرارة معتدلة وبدون أي ضوء للمساعدة علي الاستغراق في النوم بصورة جيدة . ولذلك يجب الاهتمام بالنوم الجيد أثناء رمضان فكثير من الناس لا يأخذون كفايتهم من النوم الجيد أثناء شهر رمضان ولا ينامون الا بعد الفجر وهذه عادة سيئة ومضرة جداً ومن أهم أسباب المزاج المتقلب وعدم القدرة علي العمل أو المذاكرة في رمضان . نوصي بالنوم في موعد لا يتخطى الساعة الحادية عشرة ويستمر إلى وقت السحور ثم استكمال عدد ساعات النوم المطلوبة بعد صلاة الفجر . وهنالك كثير من الأبحاث الحديثة التي تتحدث عن النوم المتقطع . أي أن هناك فائدة صحية من القيام للسحور والصلاة ثم تكملة عدد ساعات النوم المطلوبة بحيث يقوم الإنسان نشيطاً في الصباح وليس ظهراً لأداء عمله أو مدرسته بصورة جيدة . ولذلك نوصي بالاهتمام بالنوم أثناء شهر رمضان فهو من أكثر العوامل التي تؤثر علي الصحة .
الحركة والنشاط البدني
الحركة والنشاط البدني من أهم العوامل التي تحفز النمو وتساعد علي تحفيز خلايا المخ وتحسن كثيراً من وظائف المخ والجسم فقد خلق الإنسان للسعي والحركة وعكس ذلك وهو البقاء ساعات طويلة دون حركة تسبب كثيراً من الأمراض النفسية والبدنية وفي كثير من الأبحاث ذكر أهمية الحركة والنشاط البدني لتحسين المزاج والذاكرة وحماية المخ من مرض الألزهايمر . و توصي بالمشي وعمل التمارين الرياضية لمنع الكثير من أمراض العصر مثل أمراض القلب والبدانة والسكر والاكتئاب .
ومن أنسب مواعيد الرياضة في رمضان هو قبل المغرب بساعة ولو أمكن في الهواء الطلق والتعرض لشمس ما قبل المغرب لما لها من فوائد صحية كثيرة .
التعرض للهواء والشمس والطبيعة
نمط الحياة الصحي هو الأقرب إلى الطبيعة في كل شيء وهو يحفز ميلاد الخلايا العصبية
أيضاً كثير من الأبحاث توصي بالتعرض لأشعة الشمس في الصباح الباكر أو قبل المغرب بنصف ساعة حيث أنها تساعد علي تكوين فيتامين { د } والذي ثبت في دراسة علمية حديثة أهمية فيتامين { د } لتحفيز ميلاد الخلايا العصبية والحماية من مرض الألزهايمر والاكتئاب . لدرجة أن من العوامل الأساسية لمنع المزاج السيء وتدهور الذاكرة هو الحفاظ علي مستوي فيتامين { د} و التأكد من عدم انخفاضه .
أهمية التعبد والصلاة
من الجدير بالذكر أن كثيراً من أبحاث صحة المخ وتجديد خلايا المخ تلقي الضوء علي أهمية التعبد والصلاة والصفاء الروحي فهي من العوامل المهمة جداً لتحفيز ميلاد الخلايا العصبية وتحسين صحة المخ كما ذكر في كل الأبحاث العلمية الدولية هو التعبد والتأمل وعقد النية الخالصة لعمل الخير . ويعتبر هذا ركن أساسي في صيام رمضان أن نعقد النية الخالصة بوعي وإدراك تام أن هذا الصيام هو وقت خاص لعمل الخير والتسامح وتعزيز العلاقات والمشاعر الطيبة وأن الصوم هو عمل تعبدي يكمن في النية الخالصة للتواصل مع الخالق ومع الخلق أيضاً بأحسن صورة ممكنة . ويعتبر هذا الكلام في صميم العلم الحديث الذي يؤكد أهمية العبادة الصادقة وفعل الخير والنية الواعية لتعزيز وظائف المخ النفسية والإدراكية مما يعود أيضاً بالنفع علي كل وظائف الجسم. ومن الجدير بالذكر أن هذه الدراسات أوصت بأهمية Mindfulness الوعي والإدراك أثناء عمل أي شيء وإعطاء معني طيب للأشياء وكذلك أهمية Gratitude الشكر والحمد والامتنان علي النعم لصحة المخ هو و في صميم معنى الصوم.
إدمان الموبيل
من العوامل المهمة جداً للحفاظ علي صحة المخ هو تقنين استعمال الموبايل حيث ثبت أن هناك مرض جديد يسمي إدمان وهو الارتباط المبالغ فيه بالموبيل وكثرة استعماله والتعرض للإشعاعات التي لها تأثير سلبي علي المخ ونشاطه وخاصة في الأطفال والمراهقين حيث يؤدي إلى كثير من المشاكل في التعلم والذاكرة والانتباه وله أيضاً مردود سيء علي التواصل الأسري والاجتماعي .
ونحن ندعو إلى الاستفادة من شهر رمضان لتنظيم استعمال الموبايل من حيث الابتعاد عنه ومنع استعماله للأطفال . أيضاً هنالك كثير من الأبحاث التي تنبه إلى أن التعرض للضوء الأزرق المنبعث من الموبيل يقلل من إفراز هرمون الميلاتونين الضروري للنوم ويوصي بعدم استعمال الموبايل قبل النوم بساعة علي الأقل للمساعدة علي النوم الجيد . وفي دراسة حديثه علي مجموعة من الطلبة في إنجلترا أثبتت أن حوالي 40% منهم مدمنين للموبايل مما أدى إلى مشاكل كبيرة في جودة النوم ترتب عليها كثير من الخلل في وظائف المخ .
التعرض المفرط لشاشات التلفزيون والكمبيوتر والبلاي ستايشن.
مما ساهم في سطحية العلاقات الإنسانية والتباعد الأسري والذي له آثار سلبية علي صحة المخ ونموه وفي كثير من الأبحاث ثبت أن قضاء وقت طويل في حالة من السلبية وخمول المخ مثل كثرة مشاهدة التليفزيون يقلل من نمو الخلايا العصبية في المخ في حين أن القراءة والكتابة وتعلم الجديد والتعرض لمواقف آمنة وخبرات وأماكن متجددة وعلاقات إنسانية طيبة كل ذلك يحفز نمو المخ.
- الضغوط والتوتر المستمر في العمل أو المذاكرة
ومن أكثر العوامل التي توثر سلباً علي نمو المخ وميلاد خلاياه وتجددها هو الضغوط النفسية والتوتر الذي يزيد من إفراز الكورتيزون ويحدث كثيراً من الخلل في التوازن الهرموني والعصبي والمناعي في الجسم مما يسبب كثيراً من الأمراض النفسية والعضوية. ويعتبر شهر رمضان فرصة يجب أن نستغلها بمحاولة تجنب الضغوط الشديدة وذلك حتي نعطي فرصة لأنفسنا لإدراك الحياة بطريقة أكثر سلاماً مما يتيح الفرصة للتعافي من كثير من الأمراض .
الخلاصة
إن خلايا المخ البشري تتوالد وتتكاثر إذا أتيح لها نمط حياة صحي وأن فكرة تغيير إيقاع الحياة والتجديد أساسي لتحفيز توالد خلايا المخ وهو ما يحدث أثناء شهر رمضان .
هذه دعوة للاستفادة من صوم شهر رمضان بصورة صحيحة وصادقة لتعديل كثير من أنماط حياتنا الغير صحية مما يساهم في تحسين صحتنا النفسية والبدنية لأن خلايا المخ دونما باقي خلايا الجسم تحتاج إلى تفاعل إيجابي مع البيئة المحيطة بها حتي تستمر في النمو والازدهار .