بقلم د/ علي خليفة
تعد مسرحية بكم أكتمل نموذجًا جيدًا لمسرحيات الطفل التي تعرض قضايا ذوي الهمم، ممن هم لديهم بعض الإعاقات الجسمية أو الذهنية.
والطفلان اللذان ركز عليهما المؤلف الاهتمام من ذوي الهمم في هذه المسرحية أحدهما كفيف، واسمه نادر، والطفل الآخر مصاب بمتلازمة داون، واسمه أكرم، ولا يظهر المؤلف هذين الطفلين في هذه المسرحية بصورة تدعو للشفقة عليهما والتعاطف معهما، بل إنه يظهرهما طفلين نابغين، فنادر موهوب في لعبة الشطرنج رغم كونه كفيفا، وأكرم لديه موهبة كبيرة في الرسم، ويستعين كل واحد منهما بالآخر في الموهبة التي لديه، فأكرم يصف لنادر حركات منافسيه في لعبة الشطرنج، ويقوم بتحريك قطعه حسب وصف نادر له، ويستعين أكرم بنادر في وصفه له مكنون الشخصيات التي يرغب في رسمها؛ لقدرته على استبطان الشخصيات ومعرفة دواخلها، ويستعين أكرم بتلك الأوصاف لدخائل الشخصيات حين رسمه لها.
ولم يكتف المؤلف في هذه المسرحية بأن جعل من نادر مجرد لاعب شطرنج موهوب رغم كونه كفيفا، وكذلك لم يكتف بأن جعل من أكرم مجرد رسام موهوب رغم إصابته بمتلازمة داون، بل إنه جعلهما شديدا البراعة في موهبتيهما، فنادر لا يكتفي بمنافسة الأطفال في لعبة الشطرنج، ولكنه ينافس الكبار المبصرين أيضًا، ويتطلع ليكون في المسابقة الدولية للشطرنج التي ستقام في أمريكا لغير ذوي الاحتياجات الخاصة، وتتم الموافقة على تمثيله لمصر في تلك المسابقة الدولية نتيجة كثرة المباريات التي فاز فيها، وكان يعصب عينيه بها، فيظن أنه مبصر، ولكن حين اكتشف أنه كفيف رفض تمثيله لمصر من جمعية كش ملك التي ترشح من يدخل في تلك المسابقة الدولية للشطرنج؛ ليمثل مصر فيها، ولكن أكرم ورفاقه من المصابين بمتلازمة داون والمكفوفين قاموا بعمل هشتاج على وسائل التواصل الاجتماعي عن جدارة نادر للتسابق في هذه المسابقة الدولية للشطرنج، وصار هذا الهشتاج ترندا، ووصل لسمع الرئيس الدولي للشطرنج هذا الترند، ووصله أيضًا رسالة كتبها أكرم ورفاقه عن أحقية نادر في التنافس في هذه المسابقة، فوافق على اشتراك نادر فيها.
ويشترك نادر في هذه المسابقة، ويفوز بالمركز الأول على مستوى العالم، ويرفع علم مصر عاليًا في تلك المسابقة، وفي الوقت نفسه عبر رئيس الاتحاد الدولي للشطرنج عن إعجابه بوقوف أكرم مع صديقه نادر بجعله يقيم معرضًا لرسوماته على هامش تلك المسابقة، وبهذا استطاع نادر هو الآخر أن يبرز موهبته في الرسم على مستوى عالمي.
ورأينا الأطفال الأصحاء ومن ذوي الهمم في هذه المسرحية منبهرين بنادر وأكرم، وتمنوا أن يكونوا مثلهما، وبعض أمهات الأطفال من ذوي الهمم لم يشعرن بأي نقص في أولادهم بعد أن رأوا نادرا وأكرم يحتفي بهما على مستوى العالم كله لنبوغهما، وتمنين أن يكون أولادهن مثلهما في نبوغهما في موهبتيهما.
وهكذا رأينا المؤلف في هذه المسرحية قد رفع شعار التحدي على الإعاقة؛ لتحقيق هدف التميز والتفوق؛ وبهذا لم تعد الإعاقة بالنسبة لصاحبها عبئا ثقيلا أو عيبا محرجا، بل صارت له طريقا للتحدي؛ للوصول للأهداف العليا، كما كان الأمر مع طه حسين وعمار الشريعي وإديسون، وقد جعل المؤلف الطفل نادر يحلم بهم خلال نومه في لحظة ضعف أصابته بعد رفض طلبه الاشتراك في المسابقة الدولية للشطرنج بعد اكتشاف كونه كفيفا، فظهر له هؤلاء النابغون الثلاثة في حلمه، وحدثوه عن قهرهم العقبات التي تعرضوا لها بسبب إعاقاتهم، فقد كان طه حسين وعمار الشريعي كفيفين، وكان إديسون أصمًا.
ويسعد نادر برؤيتهم والحديث معهم في حلمه، وتعود له ثقته الكبيرة فى نفسه، ورغبته في مواصلة التحدي لتحقيق هدفه في إبراز موهبته في الشطرنج، وهذا ما حدث في هذه المسرحية.
ويحسب للمؤلف في هذه المسرحية أنه غير من المقولة الشائعة التي تطلق عن غير المبصرين من أنهم مستطيعون بغيرهم، فكانت مقولته البديلة عنها هي “بكم أكتمل”، فنادر يحتاج لمن يعرفه خلال لعبه الشطرنج بحركات قطع منافسيه، وكان أكرم يقوم له بهذا الدور، ولم يكن نادر يكتفي في ذلك بالأخذ دون العطاء، فكان هو الآخر بكمل ما لدى أكرم من نقص، فيصف له دخائل الشخصيات التي يرسمها، ليبرزها في رسوماته؛ وبهذا صار أكرم ونادر يكمل أحدهما الآخر، وليس أحدهما عبئًا على غيره، وهكذا حال كل ذي إعاقة فهو يحتاج لغيره في بعض الأمور، ولكنه يستطيع في الوقت نفسه أن يقدم عطاءه لهم في أمور أخرى.



