الرسائل الأخلاقية والجوانب التعليمية في مسرحية الألوان العجيبة لأحمد زيدان

أكتوبر 12, 2025

بقلم/ د. علي خليفة

(١)

من الواضح أن هناك عدة رسائل تربوية وأخلاقية يبثها المؤلف، ويريد إيصالها للأطفال في هذه المسرحية؛ وهي عن أهمية الاختلاف، واحترام الآخر وعدم التقليل منه، ويؤكد المؤلف أنه من خلال الاختلاف نرى القدرات المختلفة والأدوار المتباينة التي يكمل بعضها بعضا في تقديم كل ما يحتاجه المجتمع، ويساعد على انتظامه وتقدمه ورفعته.

كما يؤكد المؤلف في هذه المسرحية على أهمية التواضع والتخلي عن الغرور، والتكبر، والإعجاب الشديد بالذات.

(٢)

ويوحي المؤلف بكل هذه المعاني النبيلة من خلال الأحداث الخيالية في هذه المسرحية، فنرى فيها الألوان تعبر عن سعادتها بصداقتها، وعن اشتراكها في رسم اللوحات الجميلة، أو تشكيل المشاهد المثيرة في أي مظهر من مظاهر الطبيعة؛ ولهذا تكرر الألوان خلال غنائها قولها:

ألوان في طعم السكر

بصداقتنا دوما نسعد

تسمعنا نشدو ونغرد

وترانا في وجه مهرج

يملؤك بالضحك المبهج

أطفال بالفرحة نلهو

وجميع من لون أبيض.

وعلى الرغم من اعتزاز هذه الألوان بالصداقة والألفة التي تجمعها فإن كل لون منها يتحدث عن قيمته، لا سيما من خلال ظهوره في بعض مظاهر الطبيعة، فيقول اللون الأزرق: إنه يظهر في السماء والبحار والمحيطات، وإنه بذلك له انتشار كبير في الطبيعة، واللون الأصفر يقول: إنه لون الذهب وسنابل القمح ورمال الصحراء الممتدة في مساحات كبيرة من الأرض، واللون الأحمر يقول: إنه لون القوة ولون البهجة ولون الدفء، ويظهر في بعض الفواكه، كالعنب الأحمر، ويبدي اللون الأسود اعتزازا كبيرا بنفسه، فهو يرى أن الحبر الذي يكتب به على الأوراق يكون منه، وبدونه تختفي الكتابة، ويذكر اللون الأبيض أنه لون نهار الشمس، ولون القطن، كما أنه يظهر في أشياء أخرى، كالأسنان البيضاء.

وبينما هذه الألوان تعبر عن سعادتها في تآلفها، وتعبر في الوقت نفسه عن قيمة كل لون منها تخرج عليها فرشاة الألوان، فتمازحها هذه الألوان، وتظهر كأنها تماثيل لا تتحرك، ولا تستطيع الفرشاة أن تتعرف عليها، فتبحث عنها، وتبدي انزعاجها لذلك، ثم تتصنع البكاء، وهنا تظهر لها هذه الألوان.

وتطلب الفرشاة إلى هذه الألوان أن تشترك في رسم لوحات جميلة ليرها الأطفال الذين يشاهدون هذه المسرحية، فيشعروا بالسعادة، وتشترك هذه الألوان في غناء أغنية عن تكوين اللون الأخضر من اللونين الأزرق والأصفر.

ولا أرى في هذه المسرحية في كل ما عرضته حتى الآن منها أي صراع أو أحداث مثيرة، ولكننا نرى هذا الصراع والحدث المثير – تقريبا – في الثلث الأخير من هذه المسرحية، ويتمثل هذا الحدث المثير فيها في اعتراض اللون الأسود على مساواته في الأهمية بباقي الألوان، فهو يرى نفسه أهمها على الإطلاق؛ لأنه يستطيع أن يخفي أي لون حين يغطيه بسواده.

وأمسك اللون الأسود باللون الأبيض وأخفاه؛ لأنه يعد في رأي بقية الألوان أصل كل الألوان، ولم يكتف اللون الأسود بذلك، بل إنه قد غطى كل الألوان الأخرى بشريط أسود، ولفه عليهم دلالة على استيلائه عليهم.

وتقوم هذه الألوان بحيلة حتى تتمكن من التخلص من سيطرة اللون الأسود عليها، فتبدي خلال وجودها تحت ذلك الشريط الأسود أنها تتعارك مع بعضها، ويعجب اللون الأسود بذلك، فيطلق صراحها.

وتواجه هذه الألوان اللون الأسود بأنها قادرة على عمل لون يمكنه التغلب عليه بظهوره فوقه، ويقول لها اللون الأسود: إنها لو تمكنت من ذلك فإنه سيتراجع عن قوله بأفضليته عليها، فيجتمع اللون الأزرق مع اللون الأصفر، وينتج عنهما اللون الأخضر، ثم يضاف اللون الأصفر على اللون الأخضر، فينتج عن ذلك اللون الفسفوري، ويتمكن اللون الفسفوري من التغلغل في اللون الأسود، وإظهار لونه عليه، وهنا يعترف اللون الأسود بخطئه في تعاليه السابق على باقي الألوان، ويقر أنه أخطأ في ذلك، فتطلب إليه الفرشاة والألوان الأخرى أن يكتب هذه الحكاية التي تم عرضها في هذه المسرحية؛ ليقرأها الأطفال، ويعجبوا بها، ويعبر عن سعادته؛ لكونه سيقوم بهذا العمل المفيد والمثير، وتقول الألوان والفرشاة: إنها ستشارك في رسم رسوماتها، وبهذا تعبر الألوان كلها والفرشاة عن اتحادها، وعن أنها بذلك الاتحاد تستطيع أن تقدم كل ما يسعد الأطفال.

(٣)

وقد بدا من خلال عرضي لهذه المسرحية أننا لم نر فيها الحدث المثير إلا في الثلث الأخير منها؛ وبهذا يعد ما قبله كأنه تمهيد له، وهو تمهيد طويل.

وبخلاف هذه الملحوظة الوحيدة على هذه المسرحية فإن فيها مزايا عديدة، ومنها ما فيها من جانب تعليمي في تعريف الأطفال بالألوان، والأشياء التي تتواجد فيها في مظاهر الطبيعة المختلفة، كما يظهر الجانب التعليمي في هذه المسرحية في ذكر بعض الألوان الأخرى التي تستخرج من امتزاج لونين أو أكثر.

وكذلك يحسب للمؤلف في هذه المسرحية أنه مزج فيها بين الحوار النثري المكتوب باللغة العربية الفصحى البسيطة – التي يسهل على الأطفال  في مرحلة الطفولة المتوسطة معرفتها، باستثناء ألفاظ قليلة، كلفظة مكنونة – بالأغاني المكتوبة باللغة العربية الفصحى أيضا، وكلها من بحر المتدارك الذي يكثر كتابة أشعار الأطفال وأغانيهم منه؛ لسهولة التصرف فيه، ولما فيه من حركة واضحة.