الحكي بين الواقع والخيال في مسرحية مدينة الورق لعبد الهادي شعلان

سبتمبر 28, 2025

بقلم/ د. علي خليفة

أعتقد أن هذه المسرحية تحمل رسالتين، والرسالة الأولى عن أهمية الصدق وعدم الكذب، وأن كل شخص يتباهى بمهارته في الخداع بالكذب لا بد أن ينكشف أمره، وهكذا كان حال الشاب توفيق في هذه المسرحية، فقد رغب في أن يتقدم للمسابقة التي أعلن عنها منادي السلطان في البلاد بأن كل من لديه حكاية عجيبة وغريبة فيمكنه أن يأتي لقصر السلطان، ويحكيها لابنته، ولو أعجبتها فسوف ينال جائزة قيمة، وتضم حكايته لكتاب الحكايات الذي سيجمع كل الحكايات الغريبة التي تحكى من أشخاص مختلفين للأميرة وتعجب بها شريطة أن تكون حكايات حدثت بالفعل، ومن يحكيها عليه أن يكون قد رآها تحدث أمام عينيه.

وعلى الرغم من أن توفيق لم يكن قد سافر وتجول في البلاد فإنه كان يتمتع بخيال خصب، وكانت لديه ثقة كبيرة في نفسه في الوقت نفسه؛ ولهذا تقدم لهذه المسابقة، وواجه الأميرة، وحكى لها حكاية عجيبة وغريبة، ومن الواضح أنها لم تصدقها، ولم يصدقها كذلك والدها السلطان، واستطاع السلطان بحيلة طريفة أن يثبت لهذا الشخص كذبه، فقد كانت حكاية توفيق للأميرة عن مدينة ادعى أنه زارها، وأنه رأى كل أهلها من الورق، وكذلك بيوتهم من الورق، وأرزهم وكل طعامهم من الورق.

 وبعد أن عرف السلطان بأمر هذه الحكاية طلب إلى توفيق أن يبقى في قصره بعض الوقت، وشعر توفيق بالجوع، فأمر السلطان بأن يحضر له بعض الورق، وأمر السلطان “توفيق” بأكله، وهنا اعترف توفيق للسلطان بكذبه، واكتفى السلطان في عقابه له بأن منع عنه الجائزة التي كان سيأخذها لو كانت حكايته تلك حقيقية ورآها بعينيه، وكذلك طلب إليه السلطان أن يتوقف عن الكذب، وأن يسافر في البلاد؛ ليرى أمورا عجيبة، ويأتي إليه مرة أخرى؛ ليحكي حكاية عجيبة رآها بعينيه خلال سفره، ويستحق عند ذلك نيل الجائزة، ويعاهده توفيق على ذلك.

وكان من الممكن أن تنتهي المسرحية عند ذلك – وكان ذلك هو الأقضل بالفعل – ولكن المؤلف أضاف أحداثا أخرى لهذه المسرحية، ومنها نستشف الرسالة الثانية في هذه المسرحية، وهي أن بعض الحكايات والقصص الخيالية التي لم تحدث تكون أمتع وأعجب من والحكايات والقصص التي حدثت بالفعل، ونستشف هذه الرسالة في هذه المسرحية من خلال أمر السلطان مناديه أن ينادي في الناس بأن من يتقدم ليحكي حكاية عجيبة وغريبة للأميرة ليس بالضرورة أن تكون حكاية حدثت بالفعل ورآها من يحكيها، بل من الممكن أن تكون حكاية خيالية ليس لها أصل من واقع، وينفذ المنادي طلب السلطان.

ويبدو أن السلطان قد أعجبته حكاية توفيق الخيالية عن مدينة الورق؛ ولهذا عدل في طبيعة المسابقة التي كان يطلب ممن لديه قدرة على الحكي ولديه حكاية عجيبة أن يتقدم بحكيها للأميرة، لينال جائزته المادية من السلطان، ولتكتب حكايته هذه في كتاب الحكايات العجيبة.

ولم يظهر المؤلف على لسان السلطان أسباب هذا التغير في موقغه من طبيعة هذه الحكايات التي تحكى للأميرة، بل رأينا منه هذا التغير بعدم اشتراط أن تكون هذه الحكايات العجيبة قد حدثت بالفعل.

وإذا كان السلطان قد أعجبته قصة توفيق الخيالية وبناء عليها اتخذ ذلك القرار فقد كان عليه أن يكتفي بعتاب توفيق على كذبه، وأن يظهر له إعجابه بحكايته، ولا يطلب إليه أن يسافر في البلاد؛ ليرى عجائب الأمور، ويأتي ليحكى منها حكاية للأميرة، ويكافأ عليها.