بقلم/ د. علي خليفة
(١)
وليد كمال هو أحد أهم كتاب الكوميديا في مصر والعالم العربي في الوقت الحالي، وتتنوع أعماله الكوميدية ما بين المسرح الموجه للطفل، والمسلسلات الإذاعية، والمسلسلات التليفزيونية.
وتتنوع العناصر الكوميدية التي يوظفها في كتاباته الدرامية الكوميدية، وتعتمد بشكل أساسي على المواقف الكوميدية، لا سيما تلك المواقف التي تقوم على سوء الفهم، كما أنه يستعين في تلك الكتابات الكوميدية بالمفارقات، والاعتماد على التضخيم والمبالغات، ومن عناصر الكوميديا الأخرى التي يستغين بها في كتاباته الكوميدية التنكر، والتكرار، والتصوير الساخر، والحوار المشبع بالتعليقات الظريفة والإفيهات المثيرة للضحك.
كما أنه – شأن كبار كتاب الكوميديا على مر العصور – يوظف الأنماط الكوميدية في كتاباته الدرامية الكوميدية، وتتنوع هذه الأنماط الكوميدية في تلك الكتابات، وغالبا ما توضع في مواقف طريفة، فينتج عن هذا جرعة كوميدية كبيرة تستثير الضحك عند المتلقين لهذه الأعمال الدرامية الكوميدية.
(٢)
وتتنوع عناصر الكوميديا في مسرحية الحمار أبو الأفكار، وأهم عنصر كوميدي وظفه وليد كمال فيها هو الأنماط الكوميدية.
ونرى في هذه المسرحية أربعة أنماط كوميدية رسمها وليد كمال فيها ببراعة كبيرة، وهي: الحمار نهاق المدعي، والحمار حميرو الساذج الذي يصدق كل شيء، والثعلب ثعاليبو الماكر الخبيث، والنمر الشديد النهم للطعام والعجول في تصرفاته في الوقت نفسه، وسوف أتكلم الآن عن كيفية رسم المؤلف لكل نمط من هذه الأنماط الكوميدية في مسرحية الحمار أبو الأفكار، وعن تصرفها في المواقف التي وضعت فيها.
أولا: نمط المدعي
ويعد الحمار نهاق أبرز نمط كوميدي رسمه المؤلف في هذه المسرحية، وهو طوال أحداث هذه المسرحية وحتى قبيل نهايتها لا يتوقف عن وصف نفسه بالعليم الخبير والذي لا يخفى عليه شيء، وهو يرى أن علمه لم يأته بالدراسة، ولكن بالفطرة والتأمل الشخصي.
ولا يكتفي الحمار نهاق في هذه المسرحية بترديد كلامه عن شدة علمه ومعرفته، ولكنه يتجول في الغابة؛ حتى يقوم بدوره الذي يرى نفسه مؤهلا له، وهو أن يقدم نصائحه وما يظنه في نفسه من علم لمن يراه أمامه من حيوانات الغابة.
وبعض حيوانات الغابة تنخدع بكلامه وبطريقته بادعاء العلم فتصدقه، وتحدث لها كوارث كبيرة عند ذلك نتيجة أخذها بنصائحه لها، كحال الدب دباديبو الذي ترك علاج الأسنان الذي وصفه له طبيب الغابة، وعمل بنصيحة نهاق له لعلاج أسنانه، بالضغط بضروسه على عظمة، فكان من نتيجة ذلك أن كسرت له سنتان، وكذلك كان من نتيجة استماع الحصان الصغير مهر للحمار نهاق بعدم وضع حدوات في أقدامه أن دخل في قدم منها مسمار، ودخل في قدم أخرى بعض الزجاج المكسور.
ولا يقتصر الأذى على من يستمع لنصائح الحمار نهاق والعمل بها، بل إنه هو نفسه قد تعرض عدة مرات في هذه المسرحية للأذى بسبب ادعائه العلم والمعرفة والقدرة على عمل أي شيء، فرأيناه يدعي القدرة على السباحة، ونافس الكلب بوبي في السباحة في النهر، وكاد يغرق لولا أن أنقذته بعض الحيوانات المحبة له، وكذلك رأيناه في موقف آخر ينخدع بحيلة الثعلب ثعاليبو حين أغراه بسباق جري مع النمر لخارج الغابة، ووافق على هذا السباق، وكاد النمر والثعلب ثعاليبو أن يفترساه لولا أن الحمار حميرو نبه بعض حيوانات الغابة للخطر الذي فيه الحمار نهاق، فأنقذته من النمر والثعلب ثعاليبو.
ولم يرتدع الحمار نهاق بعد ذلك الموقف الذي كاد يفقد حياته فيه، بل استمر في ادعائه للعلم والمعرفة والقدرة على فعل أي شيء، ففسر حلما للأسد ملك الغابة بطريقة خاطئة، وكاد الأسد أن يعاقبه عقابا شديدا لولا أن طلب إليه القرد الكبير الذي فسر حلم الأسد تفسيرا صحيحا بأن يجعل مكافأته من الأسد على تفسيره لذلك الحلم بالعفو عن الحمار نهاق، ووافق الأسد على العفو عن الحمار نهاق بعد أن قال: إنه سيتوقف عن ادعائه للعلم والمعرفة والقدرة على فعل أي شيء، وبعد أن قال أيضا: إنه لن يتعصب لرأيه بعد اليوم، وسيسعى للحصول على المعرفة بالسؤال والاطلاع، وتفرح الحيوانات المقربة من نهاق بذلك، وتصل الرسالة التربوية للأطفال المتلقين لهذه المسرحية بأن الادعاء والتعصب للرأي يعرضان صاحبهما لمواقف صعبة؛ ولهذا فإنه يجب على كل مدع ومتعصب لرأيه أن يتخلى عن هاتين الصفتين السيئتين.
ثانيا: نمط الساذج
والنمط الكوميدي الثاني في هذه المسرحية الكوميدية الجيدة هو نمط الساذج، وشخصه في هذه المسرحية الحمار حميرو، وقد رأيناه حتى قبيل نهاية المسرحية بقليل يصدق الحمار نهاق في كل شيء يدعيه لنفسه، ويبدو كالتابع له، وهو بهذا التصرف يثير الضحك، وبخاصة أن ادعاء الحمار نهاق واضح جدا، وأكثر حيوانات الغابة التي يعيش فيها تعرف عنه هذا الادعاء، ولا تصدقه فيما يقوله، كالفيل فلافيلو والكلب بوبي والحصان صهلول.
ويفيق الحمار حميرو من سذاجته ومن موافقته الدائمة لكل ما يقوله الحمار نهاق حين يراه يقبل مصاحبة النمر والثعلب ثعاليبو، ولا ينتبه للحيلة التي يدبرانها له لإبعاده عن الغابة؛ حتى يقوما بالتهامه، وهنا يتوقف الحمار حميرو عن تصديق الحمار نهاق في كل ما يقوله له، لا سيما أنه قد رأى بعينيه قبل ذلك النتيجة السيئة على كل من عمل بنصائح الحمار نهاق.
ويكون للحمار حميرو دور واضح في إنقاذ الحمار نهاق من النمر والثعلب ثعاليبو، فهو الذي نبه بعض حيوانات الغابة لتلك الحيلة منهما، فأنقذوه من هذين الحيوانين المتآمرين.
ثالثا: نمط الماكر الظريف
والنمط الكوميدي الثالث في هذه المسرحية هو الثعلب ثعاليبو، وهو نمط للشخص الماكر الخبيث، وهو رغم ذلك ظريف مثير للضحك، ونرى ذلك الثعلب في هذه المسرحية يرى مع صديقه النمر أن الحمار نهاق وجبة مشبعة لذيذة لهما، ويفكر ثعاليبو في حيلة تمكنهما من الخروج بهذا الحمار خارج الغابة؛ حتى يفترساه، ولا يمنعه عنهما أي حيوان، فيغري ثعاليبو الحمار نهاق المدعي بالسباق في الجري مع النمر لخارج الغابة، ويوافق نهاق على ذلك، وكاد يهلك لولا أن أنقذته بعض حيوانات الغابة الصديقة له منهما.
رابعا: نمط عاشق الطعام والعجول في الوقت نفسه.
والنمط الكوميدي الرابع في هذه المسرحية هو النمر، وهو يتصف بشدة الشره للطعام وبالتسرع، فهو حينما يرى الحمار نهاق يشعر برغبة قوية في الهجوم عليه؛ ليتمتع بأكله، ولكن الثعلب ثعاليبو يحذره من تسرعه، ويطلب إليه أن يوافقه على الحيلة التي سيغري ذلك الحمار بها حتى يتم إبعاده خارج الغابة عن أي حيوان يمكن أن ينقذه عند هجومهما عليه وصراخه بالنهيق عند ذلك، ويضطر النمر أن ينفذ كلامه رغم ما يبدو عليه من شدة نهم لافتراس ذلك الحمار، والإسراع بذلك.
وهكذا رأينا الكاتب المبدع الأستاذ وليد كمال قد رسم بعض الأنماط الكوميدية باقتدار كبير في هذه المسرحية، ووضعها في مواقف مثيرة للضحك؛ مما جعل جرعة الكوميديا كبيرة في هذه المسرحية.



