أحمد زحام يكتب: القاهرة وليالي رمضان عبر العصور

مارس 19, 2024

القاهرة وليالي رمضان عبر العصور

بقلم: أحمد زحام

تعد مدينة القاهرة واحدة من أشهر العواصم الإسلامية احتفاءً بشهر رمضان إن لم تكن أشهرها على الإطلاق .. لأنها تجمع بين المظهر حيث تتنوع أساليب الاحتفاء برمضان من عادات وطقوس ومظاهر متعددة مظاهر رمضان تبدأ قبيل الشهر الكريم بأيام حتى أن العامة في مصر يطلقون على الأيام الاخيرة من شعبان عبارة ظهور روائح رمضان .. فتبدأ الأحياء الشعبية في تعليق الزينة من أوراق ملونة تتخذ أشكالاً متنوعة من مثلثات ودوائر تتخللها لمبات الإضاءة الملونة وتنتهي كل مسافة بنموذج مجسد لمسجد صغير أو فانوس كبير ..

وما إن يعلن عن  ثبوت رؤية هلال رمضان حتى تكون كل الشوارع وشرفات البيوت وواجهات المحلات تتزين بالأضواء المتعددة الألوان وتزدان مآذن المساجد بالإضاءة باللونين الأخضر والأبيض .. فمظاهر التحديث والعولمة وتغير الأجيال لم تغير طقوس ومظاهر احتفاء القاهرة بشهر رمضان وكأن الحرص في عمل تلك المظاهر يتوارث في “جينات”الأهالي .. وكأن القاهريين لم ولن ينسوا بعد تاريخ مدينتهم وقد شهد شهر رمضان مولد قاهرة المعز لدين الله الفاطمي منذ أكثر من ألف عام وتحديدًا عام 358هجرية_969م وظل الخلفاء يأمرون بالإكثار من المصابيح في رمضان لأنس المارة وبهجتهم وإضاءة للمتهجدين.

فقد كانت مراسم الاحتفال في العصر  الأموي (40-132ه _ 661-750م) تبدأ مع رؤية الهلال من دكة عُرفت بدكة القضاة فوق سفح جبل المقطم ثم يطوف القضاة وغيرهم من رجالات الدولة على الأحياء والشوارع وتُضاء المنازل ليلاً وكان جامع عمرو بن العاص هو مكان اجتماع سكان مدينة الفسطاط ( القاهرة قبل اتساعها) وظلت هذه المظاهر حتى العصر العباسي (132-656ه _ 750-1258م)ويذكر أن بن اسحاق والي مصر (238ه_852م)كان ينادي على السحور في طريقه من مدينة العسكر إلى جامع عمرو.. وتواصلت الاحتفالات للعصر الطولوني (254-292ه _ 868-906م) ومن أشهر ما ذكره المؤرخون أن الوالي أحمد بن طولون أخذ في صرف العمال عن العمل وقت العصر حتى يستطيعوا تدبير احتياجتهم .. وزادت المظاهر في العصر الإخشيدي (323-358ه _ 868-934م )  فكان الجيش يقدم عروضًا كبيرة وجميلة في مُستهل رمضان وحلوى وموائد مفتوحة .

ويعد العصر الفاطمي (358-567ه_ 969-1169م) أشهر العصور التي أدخلت مظاهر توارثتها سكان القاهرة .. ويقال إن الفاطميين أرادوا أن يتقربوا للشعب المصري في محاولة لنشر المذهب الشيعي فكانوا يوزعون الحلوى وويتصدقون على الفقراء لمشاركتهم البهجة ..

وكان موكب الخليفة يخرج في شبه مهرجان مع أول أيام رمضان ومن خلفه الوزراء المزركشة ومن حوله مجموعة تحمل الأعلام الحريرية الملونة ويسير الموكب من قصره ( الشرقي والغربي ) من بين القصرين بشارع المعز لدين الله حتى باب الفتوح ..وكانت تُقام ولائم الإفطار للعلماء والأُمراء وأمر الخليفة العزيز بالله (365-386ه_975-996م ) بأول مائدة في شهر رمضان يفطر عليها أهل جامع عمرو بن العاص والذي كان يُطلق عليه الجامع العتيق وتعتبر أول الموائد المفتوحة أو موائد الرحمن في مصر .

وفي العصر الأيوبي (565-648ه_1169-1250 م ) توارثت العادات ورغم انشغال صلاح الدين الأيوبي (567-589ه _ 1171-1193 م ) بالحروب إلا أنه كان يحث على رعاية الفقراء خاصة في رمضان .. واستمر تقليد خروج القضاة ورؤساء الطوائف والتجار لرؤية هلال رمضان في العصر المملوكي ( 648-923ه _ 1250-1516 م ) وكانت تجدد { حُصر وأكلمة } المساجد وتزدان من خارجها أيضاً.

أما في العصر المملوكى الثاني “الجركسى” (784-923ه _ 1382-1517 م ) فقد ظهر مدفع رمضان وكان ظهوره مصادفة إذ أن السلطان خشقدم الأحمدي ( 865-872 ه _ 1416 – 1467 م ) أمر باستخدام المدفع بغرض الإعلان عن انتهاء عمل العمال وكان ذلك وقت الغروب فظن الناس أن الغرض منه الإعلان عن موعد الإفطار فاستحسن السلطان تلك المصادفة وأمر باستخدام المدفع عند الإفطار وكذلك عند الإمساك وهو ما استمر حتى وقتنا الحالي ..

وفي العصر العثماني وعصر محمد علي كان الموكب يخرج تتقدمه الموسيقى والجنود ومشايخ الحرف والتجار وقضاء المساجد والمنارات .. وفي عصر الرئيس جمال عبد الناصر يُروى أن الرئيس كان يصطحب وزير التموين ويتجول بسيارته الشخصية ويتناقش في كيفية توفير أقمشة مدعمة بألوان زاهية لتوزيعها في رمضان حتى تسود البهجة للفقراء ومحدود الدخل مع قدوم العيد..

هذا وتستمر المظاهر المتعددة للاحتفاء برمضان الكريم كل عام كتقاليد متوارثة ويندر أن نجد مدينة تحافظ على تقاليدها القديمة خلال أيام رمضان ولياليه كمدينة القاهرة .