
( 1)
في اعتقادي أن أفضل أنواع مسرحيات الطفل هي تلك المسرحيات التي تمزج بين الواقع والخيال، فمسرحيات الطفل التي تكتفي بعرض الواقع وما فيه من مشاكل وقضايا تخص الطفل لا يجد الأطفال متعةً كبيرةً فيها رغم أنها تعالج قضايا معاصرة لهم؛ لخلوها من أجواء الخيال العجيبة التي تعجبهم وتبهرهم، واعتادوا سماعها في الحواديت والحكايات التي تُحكى لهم من صغرهم، وشاهدوها في بعض الأفلام والمسلسلات الموجهة لهم، وأما مسرحيات الطفل التي تعتمد على عالم الخيال فقط فإنها تغيب الطفل عن واقعه والقضايا الخاصة به، ومن هنا تقل قيمتها وتأثيرها عن المسرحيات التي تمزج بين الواقع والخيال وتوجه للطفل.
( 2 )
وتعد مسرحية فارس وأمير الحواديت لشاذلي فرح من المسرحيات التي مزجت بين الواقع والخيال، وتميزت أيضًا بوجود الإبهار في أحداثها، والكوميديا في أجوائها، وخلال حوار الشخصيات فيها.
وتبدأ مسرحية فارس بأجواء واقعية، ففارس طفل في العاشرة من عمره، وهو شديد الكسل، ومهمل في نظافة جسمه، خاصة نظافة أسنانه، ولا يستمع لتحذيرات أمه وأخته فلة من خطورة إهمال النظافة خاصة نظافة الأسنان،
وتقول أم فارس له: إن الشخص الذي يهمل غسل أسنانه – لا سيما بعد أكل الطعام – يأتيه في نومه – من خلال كابوس – السوس على شكل محاربين، ويؤلمونه بحرابهم، في حين أن من ينظف أسنانه دائمًا يأتيه في أحلامه أمير الحواديت، ومعه كتاب الحواديت، ويحكي له حكايات جميلة.
وحين يصر فارس على عدم غسل أسنانه بعد الأكل يهجم عليه في كابوس خلال نومه السوس على هيئة محاربين يحملون حِرابًا، ويؤلمونه بها، ويستيقظ من نومه، ويقرر غسل أسنانه؛ حتى لا يرى هذا الكابوس مرة أخرى.
وبعد أن يغسل فارس أسنانه وينام يأتيه أمير الحواديت، ويرغب في أن يكافئه بأن يحكي له حدوتة من الحواديت المشهورة بأبطالها المعروفين، كالشاطر حسن وست الحسن وشهريار وشهرزاد ومعروف الإسكافي وسندريلا، ولكنه يعترض على ذلك، ويطلب إلى أمير الحواديت أن يحكي له حكايات جديدة، فيتفق أمير الحواديت مع شخصيات الحواديت المعروفة على تمثيل حواديت جديدة لفارس،
ويجلس فارس مع أمير الحواديت خلال عرض أبطال الحواديت لتلك الحواديت الجديدة بين الجمهور، ويتفاعل مع هذه الحواديت التي تعرض عليه، ويعلق عليها، بل إنه لا يكتفي بذلك، فيشارك في التمثيل في أحد أدوار الحدوتة الأخيرة.
ويقوم أبطال الحواديت المشهورين بعرض ثلاث حواديث، ونفاجأ أن الحدوتين الأولى والثانية ليستا جديدتين، فالحدوتة الأولى – وهي عن صفة الذكاء – استوحاها المؤلف من قصة شعبية قديمة، وفيها يتغلب نجار على أسد كان يرغب في هزيمة الإنسان، ولكن ذلك النجار تغلب عليه بذكائه، وقد سبق أن وظف سمير عبد الباقي هذه الحكاية في مسرحبة الطحان وملك الغابة، وكذلك استلهم شاذلي فرح الحدوتة الأولى في مسرحية فارس وأمير الحواديت من قصة القرد والغيلم في كتاب كليلة ودمنة.
والحدوتة الثانية التي عرضها بعض أبطال الحواديت في هذه المسرحية فهي عن صفة الطمع، وهي مستوحاة من الأسطورة الإغريقية يد ميداس، وسبق أن عالجها كامل كيلاني في قصة للأطفال، واستوحاها أيضًا يعقوب الشاروني في مسرحية الفتاة الذهبية.
أما الحدوتة الثالثة التي عرضها بعض أبطال الحواديت في هذه المسرحية فهي عن صفة الحكمة، وفيها يستطيع عمدة يعيش في إحدى قرى صعيد مصر أن يحل مشاكل بعض أبناء قريته، من خلال قيامه بحيلة طريفة، وعند ذلك يعرف الأشخاص الذين اشتكوا له من سوء حالهم أنهم أحسن حالا من غيرهم فيما ابتلوا به؛ ولهذا فإنهم يحمدون الله على حالهم.
ويعجب فارس كثيرًا بهذه الحواديت، ويعرفه أمير الحواديت أنه سيزوره كثيرًا في نومه، ويحكي له حواديت أخرى بمشاركة أبطال الحواديت، ما دام قد تغير، وصار نشيطًا، ومهتمًا بنظافته، وبخاصة نظافة أسنانه.
ويستيقظ فارس من نومه، تفاجأ أخته بتغيره كثيرًا، فقد صار نشيطا، ومحبًا للمدرسة، وحريصًا على نظافته، وبخاصة نظافة أسنانه، وحين تسأله أخته عن أسباب تغيره يخبرها أن السر وراء ذلك في أمير الحواديت وحواديته الجديدة الجميلة، وتنتهي المسرحية.
( 3 )
ويُحسب للمؤلف في هذه المسرحية أنه جعل الطفل فارسًا عاشقًا للحواديت، ولكنه لا يقبلها كما وصلت إليه، بل يعيد النظر فيها، وفوق ذلك أنه كأبناء جيله يرغب في التجديد، فالحواديت لا غِنى عنها له ولأمثاله من الصغار، ولكن يفضل أن تكون جديدة؛ حتى يشعروا بمتعة أكبر في تلقيهم لها؛ ولهذا حكى أمير الحواديت حواديت جديدة لفارس، ومثلها بعض أبطال الحواديت، وإن كان بعضُها مستوحى من حكايات وقصص قديمة مع إضافات أخرى جديدة عليها.
( 4 )
والحقيقة أن هذه المسرحية ممتعة في قراءتها، وأظن أنها ستكون أكثر إمتاعًا عند عرضها على خشبة المسرح، فالأحداث فيها مثيرة، والشخصيات بها حيوية كبيرة، وتشمل المسرحية أجواء الكوميديا في حواراتها، وشخصية فارس الكسول – وإن كان قد توقف عن كسله في نهاية المسرحية – ونمط البخيل الذي جسده شنجي وزوجته شنجهاية في الحدوتة الثانية، ويضاف لهذا في عناصر الكوميديا في هذه المسرحية تدخل فارس كثيرًا بالتعليق خلال مشاهدته لتلك الحواديت التي تعرض عليه، وغالبًا ما تكون تدخلاته مثيرة للضحك.
( 5 )
وأظن أنه كان من الأنسب أن تكون حوارات الشخصيات داخل الحواديت الثلاثة الداخلية في هذه المسرحية باللغة العربية الفصحى؛ حتى نفرق بين حواراتها وحوارات الحدث الأساسي في هذه المسرحية، لا سيما أن حدوتتين من حواديت هذه المسرحية الثلاث تجري أحداثها في أجواء غير مصرية، ولم تكن اللهجة العامية مناسبة لهما.